للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَلَقُوا رُءُوسَهُمْ لَمْ يَحْلِقُوا تَفَثًا ... وَلَمْ يُسِلُّوا لَهُمْ قَمْلًا وَصِئْبَانًا

وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قُطْرُبٌ هُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي التَّفَثِ، وَهَذِهِ صُورَةُ إِلْقَاءِ التَّفَثِ لُغَةً، إِلَى أَنْ قَالَ: قُلْتُ: مَا حَكَاهُ عَنْ قُطْرُبٍ، وَذَكَرَ مِنَ الشِّعْرِ قَدْ ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَذَكَرَ بَيْتًا آخَرَ فَقَالَ: قَضَوْا تَفَثًا وَنَحْبًا ثُمَّ سَارُوا إِلَى نَجْدٍ وَمَا انْتَظَرُوا عَلِيًا

وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَأَصْلُ التَّفَثِ فِي اللُّغَةِ: الْوَسَخُ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ تَسْتَقْذِرُهُ: مَا أَتْفَثَكَ أَيْ: مَا أَوْسَخَكَ وَأَقْذَرَكَ.

قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ:

سَاخِينَ آبَاطَهُمْ لَمْ يَقْذِفُوا تَفَثًا ... وَيَنْزِعُوا عَنْهُمْ قَمْلًا وَصِئْبَانًا

انْتَهَى مِنَ الْقُرْطُبِيِّ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: سَاخِينَ آبَاطَهُمُ. . الْبَيْتَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: سَخَا يَسْخُو سَخْوًا إِذَا سَكَنَ مِنْ حَرَكَتِهِ: يَعْنِي: أَنَّهُمْ سَاكِنُونَ عَنِ الْحَرَكَةِ إِلَى آبَاطِهِمْ بِالْحَلْقِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ:

. . . لَمْ يَقْذِفُوا تَفَثًا ... وَيَنْزِعُوا عَنْهُمْ قَمْلًا وَصِئْبَانًا

الْفَرْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِسَبَبِ إِحْرَامِهِ، مَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ لُبْسِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلْبُوسِ، وَسَنَذْكُرُ فِي هَذَا الْفَرْعِ مَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ: إِلَى أَنَّهُ إِنْ لَبِسَ شَيْئًا مِمَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ مُخْتَارًا عَامِدًا، أَثِمَ بِذَلِكَ، وَلَزِمَتْهُ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِزَالَتِهِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، سَوَاءٌ قَصُرَ زَمَانُ اللُّبْسِ أَوْ طَالَ، لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَا دَلِيلَ عِنْدَهُمْ لِلُزُومِ الْفِدْيَةِ فِي ذَلِكَ، إِلَّا الْقِيَاسُ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ، وَاللُّبْسُ الْحَرَامُ الْمُوجِبُ لِلْفِدْيَةِ عِنْدَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُعْتَادُ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ، فَلَوِ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أَوْ قَبَاءٍ، أَوِ ارْتَدَى بِهِمَا، أَوِ ائْتَزَرَ سَرَاوِيلَ: فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لُبْسًا لَهُ فِي الْعَادَةِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ كَمَنْ لَفَّقَ إِزَارًا مِنْ خِرَقٍ وَطَبَقَتِهَا وَخَاطَهَا: فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا لَوِ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أَوْ بِعَبَاءَةٍ أَوْ إِزَارٍ وَنَحْوِهَا وَلَفَّهَا عَلَيْهِ طَاقًا أَوْ طَاقَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ فَلَا فِدْيَةَ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ فِي النَّوْمِ أَوِ الْيَقَظَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>