قال الموفق عبد اللطيف: أما مرض موته فسهو ونسيان؛ بقي به ستة أشهر ولم يشعر أحد من الرعية بكنه حاله حتى خفي على الوزير وأهل الدار، وكان له جارية قد علمها الخط بنفسه، فكانت تكتب مثل خطه، فكانت تكتب على التواقيع بمشهورة القهرمانة، وفي أثناء ذلك نزل جلال الدين محمد بن تكش خوارزمشاه على ضواحي بغداد هاربًا منفضًا من الرجال والمال والدواب، فأفسد بما وصلت يده إليه، فكانوا يدارونه ولا يمضون فيه أمرًا لغيبة رأي الناصر، ثم نهب دقوقا، وراح إلى أذربيجان.
نقل العدل شمس الدين الجزري في "تاريخه"، عن أبيه قال: سمعت المؤيد ابن العلقمي الوزير لما كان على الأستاذ دراية يقول: إن الماء الذي يشربه الإمام الناصر كان تجيء به الدواب من فوق بغداد بسبعة فراسخ ويغلى سبع غلوات ثم يحبس في الأوعية أسبوعًا ثم يشرب منه، وما مات حتى سقي المرقد ثلاث مرار وشق ذكره، وأخرج منه الحصى.
وقال ابن الأثير: بقي الناصر ثلاث سنين عاطلًا عن الحركة بالكلية، وقد ذهبت إحدى عينيه، وفي الآخر أصابه دوسنطاريا عشرين يومًا ومات، وما أطلق في مرضه شيئًا مما كان أحدثه من الرسوم.
قال: وكان سيئ السيرة، خرب العراق في أيامه، وتفرق أهله في البلاد، وأخذ أموالهم وأملاكهم. إلى أن قال: وجعل همه في رمي البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوة.
ونقل الظهير الكازروني فيما أجاز لنا: إن الناصر في وسط خلافته هم بترك الخلافة وبالانقطاع إلى التعبد، وكتب عنه ابن الضحاك توقيعًا قرئ على الأعيان، وبنى رباطًا للفقراء، واتخذ إلى جانب الرباط دارًا لنفسه كان يتردد إليها ويحادث الصوفية، وعمل له ثيابًا كبيرة بزي القوم.
قلت: ثم نبذ هذا ومل.
ومن الحوادث في دولته قدوم أسرى الفرنج إلى بغداد وقد هزمهم صلاح الدين نوبة مرج العيون، ومن التحف ضلع حوت طوله عشرة أذرع في عرض ذراع، وجواهر مثمنة. وقيل: بل كان ذلك في آخر دولة المستضيء.
وأهلك وزير العراق ظهير الدين ابن العطار فعرفت الغوغاء بجنازته فرجموه، فهرب الحمالون فأخرج من تابوته، وسحب، فتعرى من الأكفان، وطافوا به، نسأل الله الستر، وكان جبارًا عنيدًا.