ورُوِيَ عن ابن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة، فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة، فكان إذا نودي بالصلاة يحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خفَّفْتَ على نفسك، قال: إذا سمعتم حي على الصلاة ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة.
قال ابن باكويه: سمعت ابن خفيف يقول: ما وجبت عليّ زكاة الفطر أربعين سنة.
قال ابن باكويه: نظر أبو عبد الله بن خفيف يومًا إلى ابن مكتوم، وجماعة يكتبون شيئًا، فقال: ما هذا؟ قالوا: نكتب كذا وكذا. قال: اشتغلوا بتعلم شيء، ولا يغرنَّكم كلام الصوفية، فإني كنت أخبئ محبرتي في جيب مرقعي، والورق في حجزة سراويلي، وأذهب في الخفية إلى أهل العلم، فإذا علموا بي خاصموني، وقالوا: لا يفلح، ثم احتاجوا إليّ.
قلت: قد كان هذا الشيخ قد جمع بين العلم والعمل وعلوّ السَّنَد والتمسُّك بالسُّنَن، ومُتِّعَ بطول العمر في الطاعة. يقال: إنه عاش مائة سنة وأربع سنين، وانتقل إلى الله تعالى في ليلة الثالث من شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة. والأصح أنه عاش خمسًا وتسعين سنة، وازدحم الخلق على سريره، وكان أمرًا عجيبًا، وقيل: إنهم صلوا عليه نحوًا من مائة مرة، وفيها مات بجرجان الإمام أبو بكر الإسماعيلي، والصالح أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع الغساني الصيداوي والد صاحب المعجم، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن سلمة المصري الخياش، والحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي بحلب، والقاضي إبراهيم بن أحمد الميمَذي، الراوي عن محمد بن حيّان المازني، لكنه تالف، وبشر بن محمد المزني الهروي، ومقرئ الوقت أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المطوعي عن مائة عام، والحسن بن عليّ الباد، الشاهد له عن أبي شعيب الحراني، ومفتي المغرب أبو سعيد، وأبو نصر خلف بن عمر القيراوني المالكي، وأبو الحسين عبد الله بن إبراهيم بن بيان الزبيبي البزاز عن ثلاث وتسعين سنة، وشيخ المالكية بالقيروان أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن التبان، ورئيس الحنبلية أبو الحسن التميمي عبد العزيز بن الحارث، والعلامة أبو زيد المروزي الزاهد، والمحدّث أبو بكر محمد بن إسحاق البغدادي الصفّار، وأبو بكر محمد بن خلف بن جيان -بجيم- البغدادي الخلّال أحد الثقات، وشاعر الأندلس أبو بكر يحيى بن هذيل المالكي.