قال النديم: قرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: كان الحلاج مشعبذًا محتالًا، يتعاطى التصرف، ويدعي كل علم، وكان صفرًا من ذلك، وكان يعرف في الكيمياء، وكان مقدامًا جسورًا على السلاطين، مرتكبًا للعظائم، يروم إقلاب الدول، ويدعي عند أصحابه الإلهية، ويقول بالحلول، ويظهر التشيع للملوك، ومذاهب الصوفية للعامة، وفي تضاعيف ذلك يدعي أن الإلهية حلت فيه، تعالى الله وتقدس عما يقول.
وقال ابن باكويه: سمعت أبا الحسن بن أبي توبة يقول: سمعت علي بن أحمد الحاسب يقول: سمعت والدي يقول: وجهني المعتضد إلى الهند لأمور أتعرفها له، فكان معي في السفينة رجل يعرف بالحسين بن منصور، وكان حسن العشرة، فلما خرجنا من المركب قلت: لم جئت؟ قال: لأتعلم السحر وأدعو الخلق إلى الله. وكان على سطح كوخ فيه شيخ، فقال له: هل عندكم من يعرف شيئًا من السحر؟ قال: فأخرج الشيخ كبة من غزل، وناول طرفها الحسين، ثم رمى الكبة في الهواء، فصارت طاقة واحدة، ثم صعد عليها ونزل، وقال للحسين: مثل هذا تريد؟.
وقال أبو القاسم التنوخي: سمعت أحمد بن يوسف الأزرق: حدثني غير واحد من الثقات: أن الحلاج كان قد أنفذ أحد أصحابه إلى بلاد الجبل، ووافقه على حيلة يعملها، فسافر، وأقام عندهم سنين يظهر النسك والعبادة، وإقراء القرآن والصوم، حتى إذا علم أنه قد تمكن أظهر أنه قد عمي، فكان يقاد إلى مسجد، ويتعامى شهورًا، ثم أظهر أنه قد زمن، فكان يحمل إلى المسجد، حتى مضت سنة على ذلك، وتقرر في النفوس زمانته وعماه، فقال لهم بعد ذلك: رأيت في النوم كأن النبي ﷺ يقول لي: إنه يطرق هذا البلد عبد مجاب الدعوة، تعافى على يده، فاطلبوا لي كل من يجتاز من الفقراء، فلعل الله أن أعافى. فتعلقت النفوس بذلك العبد، ومضى الأجل الذي بينه وبين الحلاج، فقدم البلد، ولبس الصوف، وعكف في الجامع، فتنبهوا له، وأخبروا الأعمى، فقال: احملوني إليه، فلما حصل عنده وعلم أنه الحلاج قال: يا عبد الله: إني رأيت منامًا، وقصه عليه، فقال: من أنا وما محلي؟ ثم أخذ يدعو له، ومسح يده عليه، فقام المتزامن صحيحًا بصيرًا، فانقلب البلد، وازدحموا على الحلاج، فتركهم وسافر، وأقام المعافى شهورًا، ثم قال لهم: إن من حق الله عندي، ورده جوارحي "علي" أن أنفرد بالعبادة، وأن أقيم في الثغر، وأنا أستودعكم الله، فأعطاه هذا ألف درهم وقال: اغز بها عني، وأعطاه هذا مائة دينار وقال: اخرج بها في غزوة، وأعطاه هذا مالًا، وهذا مالًا، حتى اجتمع له ألوف دنانير ودراهم، فلحق بالحلاج، وقاسمه عليها.