أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتم … لنا غاية قد نهتدي بالذوائب
فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا … بأركان هذا البيت بين الأخاشب
فعندكم منه بلاء مصدق … غداة أبي يكسوم هادي الكتائب
فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم … جنود المليك بين ساف وحاصب
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب … إلى أهله ملجيش غير عصائب
أبو يكسوم: ملك أصحاب الفيل.
وقال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت أصابت قريش من رسول الله ﷺ فيما كانوا يظهرون من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله ﷺ فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط، قد سفه أحلامنا، وسب آلهتنا، وفعل وفعل. فطلع عليهم رسول الله ﷺ، فاستلم الركن وطاف بالبيت، فلما مر غمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجهه، فلما مر الثانية غمزوه، فلما مر الثالثة غمزوه، فوقف، فقال:"أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح". قال: فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأن على رأسه طائرا واقع، حتى إن أشدهم فيه وطأة ليرفؤه (١) بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، فوالله ما كنت جهولا. فانصرف ﷺ حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر، وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه. فبينا هم في ذلك، إذ طلع النبي ﷺ فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ فيقول:"نعم". فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، فقام أبو بكر دونهم يبكي ويقول: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ [غافر: ٢٨]، ثم انصرفوا عنه، فحدثني بعض آل أبي بكر، أن أم كلثوم بنت أبي بكر قالت: لقد رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه مما جذبوه بلحيته، وكان كثير الشعر.