بالأقوال أن من أوجب البيع من المتساومين لصاحبه، لا يلزمه وله الرجوع عنه في المجلس ما لم يجبه صاحبه بالقبول فيه، وهذا ظاهر إلا أنه ليس على مذهب مالك، وإنما هو قول محمد بن الحسن؛ والذي يأتي على المذهب أن من أوجب البيع من المتبايعين لصاحبه، لزمه إن أجابه صاحبه في المجلس بالقبول ولم يكن له أن يرجع عنه، قبل ذلك، ويحتمل أن يكون معنى الحديث وفائدته التي سيق إليها أن المتساومين ما لم يوجب أحدهما لصاحبه البيع فلا يلزم البائع البيع بما طلب من الثمن ولا المبتاع الأخذ بما بذل منه في حال المساومة، وأن لكل واحد منهما أن يرجع عن ذلك ما لم يتم البيع بالكلام، وهذا يأتي على قول مالك في المدونة.
[فصل]
وإذا حمل الحديث على هذا جاز أن يحمل الاستثناء في قوله في الحديث: إلا بيع الخيار، على ما تقدم، وأن يحمل على معنى أن يقول أحدهما لصاحبه: اختر أو رد، فيختار، فيلزم بذلك البيع وينقطع به الخيار على ما روي في بعض الآثار: أن «المتبايعين كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يفترقا، إلا أن يقول أحدهما لصاحبه: اختر»؛ وهذا اللفظ تعلق به الشافعي وكل من حمل الحديث على ظاهره فرأى الخيار للمتبايعين وإن تم البيع بينهما بالكلام ما لم يفترقا بالأبدان، والتأويل الأول أظهر، لأن لفظ الخيار إذا أطلق في الشرع إنما يفهم منه إثبات الخيار لا قطعه، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن المراد بالفرقة فرقة الأبدان، إلا أنها فرقة تحل العقد وتبطل ما أوجبه أحد المتبايعين على نفسه لصاحبه، وهو معنى حسن يخرج على المذهب، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.