الليلة) أي الليلة أقرب من الغد قال حذيفة: (إني حدثته) أي عمر (حديثًا ليس بالأغاليط) بفتح الهمزة جمع أغلوطة بضمها أي حدثته حديثًا صادقًا محققًا من حديث النبي ﷺ لا عن اجتهاد ورأي. قال أبو وائل: (فهبنا أن نسأله) أي حذيفة من الباب (وأمرنا) بالواو وسكون الراء (مسروقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله (فسأله فقال: من الباب قال) أي حذيفة الباب (عمر) ﵁، وقول الزركشي في تفسير حذيفة بعمر إشكال فإن الواقع في الوجود يشهد أن الأولى بذلك أن يكون عثمان لأن قتله هو السبب الذي فرق كلمة الناس وأوقع بينهم تلك الحرب العظيمة والفتن الهائلة.
تعقبه البدر الدماميني فقال: لا خفاء أن مبدأ الفتنة هو قتل عمر فلا معنى لمنازعة حذيفة صاحب سر رسول الله ﷺ في أن الباب هو عمر، ولعل ذلك هو من جملة الأسرار التي ألقاها إليه ﷺ، وفي قوله: إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط إيماء إلى ذلك فينبغي تلقي قوله بالقبول، وإنما يحمل على الاعتراض على مثل هؤلاء السادة الجلة إعجاب المعترض برأيه ورضاء عن نفسه وظنه أنه تأهل للاعتراض حتى على الصحابة وهو دون ذلك كله انتهى.
فالله تعالى يرحم البدر فلقد بالغ ولا يلزم من الاستشكال وعدم فهم المراد الاعتراض والعناد، ولقد وافق حذيفة على معنى روايته أبو ذر فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات أنه لقي عمر فأخذه بيده فغمزها فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتة الحديث. وفيه أن أبا ذر قال: لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم وأشار إلى عمر، وروى البزار في حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر: يا غلق الفتنة فسأله عن ذلك فقال: مررت ونحن جلوس مع النبي ﷺ فقال: هذا غلق الفتنة لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش.
وحديث الباب سبق في الصلاة.
٣٥٨٧ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي مولاهم واسم أبيه دينار قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) ﵁. وهذا الحديث قد اشتمل ﷺ أربعة أحاديث أحدها قتال الترك (عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر) بفتح العين وتسكينها يعني يجعلون نعالهم من حبال ضفرت من الشعر أو المراد طول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال، ولمسلم يلبسون الشعر ويمشون في الشعر وقال ابن دحية: المراد القندس الذين يلبسونه في الشرابيش قال: وهو جلد كلب الماء (وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حُمر الوجوه ذلف الأنوف) بضم الذال المعجمة وسكون اللام بعدها فاء جمع أذلف أي صغير الأنف مستوي الأرنبة وصغار وحمر وذلف نصب صفة للمنصوب قبلها (كأن وجوههم المجان) بفتح الميم والجيم المخففة وبعد الألف نون مشددة جمع مجن بكسر الميم أي الترس (المطرقة) بضم الميم وسكون الطاء وفتح الراء مخففة وهي التي ألبست الطراق وهي جلدة تقدر على قدر الدرقة وتلصق عليها فكأنها ترس على ترس فشبهها بالترس لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها.
والترك قيل إنهم من ولد سام بن نوح، وقيل من ولد يافث وبلادهم ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين وبين ما يلي الهند إلى أقصى المعمور.
وهذا الحديث الأول سبق في باب قتال الترك من الجهاد.
٣٥٨٨ - «وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ. وَالنَّاسُ مَعَادِنُ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ».
والثاني قوله ﵊: (وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وتجدون أشد الناس كراهية (لهذا الأمر) وهي الولاية خلافة أو إمارة لما فيه من صعوبة العمل بالعدل (حتى يقع فيه) فتزول عنه الكراهية لما يرى من إعانة الله على ذلك لكونه غير سائل.
وهذا قد سبق في المناقب.
والثالث قوله ﷺ: (والناس معادن) جمع معدن وهو الشيء المستقرّ في الأرض فتارة يكون نفيسًا وتارة يكون خسيسًا وكذلك الناس (خيارهم في