قَالَتْ أسماء بنت أبي بكر: مَا دَرَيْنَا أَيْنَ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَأَنْشَدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ، وَالنَّاسَ يَتْبَعُونَهُ وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ، وَلَا يَرَوْنَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَاهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ، عَرَفْنَا حَيْثُ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ وَجْهَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ» .
[فَصْلٌ في وُصُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ]
فَصْلٌ
وَبَلَغَ الْأَنْصَارَ مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، وَقَصْدُهُ الْمَدِينَةَ، وَكَانُوا يَخْرُجُونَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْحَرَّةِ يَنْتَظِرُونَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَإِذَا اشْتَدَّ حَرُّ الشَّمْسِ رَجَعُوا عَلَى عَادَتِهِمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنَ النُّبُوَّةِ خَرَجُوا عَلَى عَادَتِهِمْ، فَلَمَّا حَمِيَ حَرُّ الشَّمْسِ رَجَعُوا، وَصَعِدَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ لِبَعْضِ شَأْنِهِ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مُبَيِّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا بَنِي قَيْلَةَ، هَذَا صَاحِبُكُمْ قَدْ جَاءَ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ، فَبَادَرَ الْأَنْصَارُ إِلَى السِّلَاحِ لِيَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُمِعَتِ الرَّجَّةُ وَالتَّكْبِيرُ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا بِقُدُومِهِ، وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، فَتَلَقَّوْهُ وَحَيَّوْهُ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ، فَأَحْدَقُوا بِهِ مُطِيفِينَ حَوْلَهُ وَالسَّكِينَةُ تَغْشَاهُ، وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: ٤] [التَّحْرِيمِ: ٤] ، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَنَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ، وَقِيلَ: بَلْ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ، فَأَقَامَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأَسَّسَ مَسْجِدَ قُبَاءَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ أُسِّسَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute