وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ فِي كِتَابِ " التَّحْبِيرُ لِمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ "
[فَصْلٌ فَوَائِدُ الْحَرِيرِ]
فَصْلٌ وَأَمَّا الْأَمْرُ الطِّبِّيُّ: فَهُوَ أَنَّ الْحَرِيرَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَلِذَلِكَ يُعَدُّ فِي الْأَدْوِيَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ، لِأَنَّ مَخْرَجَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَهُوَ كَثِيرُ الْمَنَافِعِ جَلِيلُ الْمَوْقِعِ، وَمِنْ خَاصِّيَّتِهِ تَقْوِيَةُ الْقَلْبِ وَتَفْرِيحُهُ وَالنَّفْعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِهِ، وَمِنْ غَلَبَةِ الْمِرَّةِ السَّوْدَاءِ وَالْأَدْوَاءِ الْحَادِثَةِ عَنْهَا ; وَهُوَ مُقَوٍّ لِلْبَصَرِ إِذَا اكْتُحِلَ بِهِ وَالْخَامُ مِنْهُ - وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي صِنَاعَةِ الطِّبِّ - حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى. وَقِيلَ حَارٌّ رَطْبٌ فِيهَا: وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ. وَإِذَا اتُّخِذَ مِنْهُ مَلْبُوسٌ كَانَ مُعْتَدِلَ الْحَرَارَةِ فِي مِزَاجِهِ، مُسَخِّنًا لِلْبَدَنِ، وَرُبَّمَا بَرُدَ الْبَدَنُ بِتَسْمِينِهِ إِيَّاهُ.
قَالَ الرَّازِيُّ: الْإِبْرَيْسَمُ أَسْخَنُ مِنَ الْكَتَّانِ وَأَبْرَدُ مِنَ الْقُطْنِ، يُرَبِّي اللَّحْمَ، وَكُلُّ لِبَاسٍ خَشِنٍ فَإِنَّهُ يُهْزِلُ وَيُصْلِبُ الْبَشَرَةَ وَبِالْعَكْسِ.
قُلْتُ: وَالْمَلَابِسُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُسَخِّنُ الْبَدَنَ وَيُدَفِّئُهُ، وَقِسْمٌ يُدَفِّئُهُ وَلَا يُسَخِّنُهُ، وَقِسْمٌ لَا يُسَخِّنُهُ وَلَا يُدَفِّئُهُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يُسَخِّنُهُ وَلَا يُدَفِّئُهُ، إِذْ مَا يُسَخِّنُهُ فَهُوَ أَوْلَى بِتَدْفِئَتِهِ، فَمَلَابِسُ الْأَوْبَارِ وَالْأَصْوَافِ تُسَخِّنُ وَتُدَفِّئُ، وَمَلَابِسُ الْكَتَّانِ وَالْحَرِيرِ وَالْقُطْنِ تُدَفِّئُ وَلَا تُسَخِّنُ، فَثِيَابُ الْكَتَّانِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ، وَثِيَابُ الصُّوفِ حَارَةٌ يَابِسَةٌ، وَثِيَابُ الْقُطْنِ مُعْتَدِلَةُ الْحَرَارَةِ، وَثِيَابُ الْحَرِيرِ أَلْيَنُ مِنَ الْقُطْنِ وَأَقَلُّ حَرَارَةً مِنْهُ.
قَالَ صَاحِبُ " الْمِنْهَاجِ ": وَلُبْسُهُ لَا يُسَخِّنُ كَالْقُطْنِ بَلْ هُوَ مُعْتَدِلٌ، وَكُلُّ لِبَاسٍ أَمْلَسَ صَقِيلٍ فَإِنَّهُ أَقَلُّ إِسْخَانًا لِلْبَدَنِ، وَأَقَلُّ عَوْنًا فِي تَحَلُّلٍ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ، وَأَحْرَى أَنْ يُلْبَسَ فِي الصَّيْفِ وَفِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ.
وَلَمَّا كَانَتْ ثِيَابُ الْحَرِيرِ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْيُبْسِ وَالْخُشُونَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute