للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٣٣ -] قَالَ: عَلَى وَرَثَةِ الْيَتِيمِ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ كَمَا يَرِثُونَهُ. قُلْتُ لَهُ: أَيُحْبَسُ وَارِثُ الْمَوْلُودِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ؟ قَالَ: أَفَيَدَعُهُ يَمُوتُ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] قَالَ: عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي يَرِثُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ. وَبِهَذَا فَسَّرَ الْآيَةَ جُمْهُورُ السَّلَفِ مِنْهُمْ قتادة ومجاهد والضحاك وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ بَعْدِهِمْ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وعبد الرزاق وأبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ، وَمِنْ بَعْدِهِمْ: أحمد وإسحاق وداود وَأَصْحَابُهُمْ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عِدَّةِ أَقْوَالٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِرٌّ وَصِلَةٌ، وَهَذَا مَذْهَبٌ يُعْزَى إِلَى الشَّعْبِيِّ. قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ: حَدَّثَنَا قبيصة عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أشعث عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَجْبَرَ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ - يَعْنِي عَلَى نَفَقَتِهِ -. وَفِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِهَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ، وَالشَّعْبِيُّ أَفْقَهُ مِنْ هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ الْغَنِيُّ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُحْتَاجِ، فَكَانَ النَّاسُ يَكْتَفُونَ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ عَنْ إِيجَابِ الْحَاكِمِ أَوْ إِجْبَارِهِ.

الْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ عَلَى أَبِيهِ الْأَدْنَى وَأُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ خَاصَّةً، فَهَذَانِ الْأَبَوَانِ يُجْبَرُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنَ الْوَلَدِ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا إِذَا كَانَا فَقِيرَيْنِ، فَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ فَالرَّجُلُ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنِهِ الْأَدْنَى حَتَّى يَبْلُغَ فَقَطْ وَعَلَى نَفَقَةِ بِنْتِهِ الدُّنْيَا حَتَّى تُزَوَّجَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنِ ابْنِهِ وَلَا بِنْتِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَا، وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى نَفَقَةِ ابْنِهَا وَابْنَتِهَا وَلَوْ كَانَا فِي غَايَةِ الْحَاجَةِ وَالْأُمُّ فِي غَايَةِ الْغِنَى، وَلَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ النَّفَقَةُ عَلَى ابْنِ ابْنٍ وَلَا جَدٍّ وَلَا أَخٍ وَلَا أُخْتٍ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>