ذِكْرُ خِلَافِ الْكَنْزِ بِصَعِيدِ مِصْرَ
وَفِي أَوَّلِ هَذِهِ السَّنَةِ خَالَفَ الْكَنْزُ بِصَعِيدِ مِصْرَ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْ رَعِيَّةِ الْبِلَادِ وَالسُّودَانِ وَالْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ هُنَاكَ أَمِيرٌ مِنَ الصَّلَاحِيَّةِ فِي أَقْطَاعِهِ، وَهُوَ أَخُو الْأَمِيرِ أَبِي الْهَيْجَاءِ السَّمِينِ، فَقَتَلَهُ الْكَنْزُ، فَعَظُمَ قَتْلُهُ عَلَى أَخِيهِ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْأُمَرَاءِ وَأَشْجَعِهِمْ، فَسَارَ إِلَى قِتَالِ الْكَنْزِ، وَسَيَّرَ مَعَهُ صَلَاحُ الدِّينِ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَكَثِيرًا مِنَ الْعَسْكَرِ، وَوَصَلُوا إِلَى مَدِينَةِ طَوْدٍ، فَاحْتَمَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَاتَلُوا مَنْ بِهَا، وَظَفِرُوا بِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ كَثِيرًا، وَذُلُّوا بَعْدَ الْعِزِّ وَقُهِرُوا وَاسْتَكَانُوا.
ثُمَّ سَارَ الْعَسْكَرُ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ طَوْدٍ إِلَى الْكَنْزِ، وَهُوَ فِي طُغْيَانِهِ يَعْمَهُ، فَقَاتَلُوهُ، فَقُتِلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَعْرَابِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمِنَتْ بَعْدَهُ الْبِلَادُ وَاطْمَأَنَّ أَهْلُهَا.
ذِكْرُ مُلْكِ صَلَاحِ الدِّينِ دِمَشْقَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، سَلْخَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، مَلَكَ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ مَدِينَةَ دِمَشْقَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نُورَ الدِّينِ لَمَّا مَاتَ وَمَلَكَ ابْنُهُ الْمَلِكُ الصَّالِحُ بَعْدَهُ كَانَ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ سَعْدُ الدِّينِ كَمُشْتَكِينَ قَدْ هَرَبَ مِنْ سَيْفِ الدِّينِ غَازِي إِلَى حَلَبَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَقَامَ بِهَا عِنْدَ شَمْسِ الدِّينِ ابْنِ الدَّايَةِ، فَلَمَّا اسْتَوْلَى سَيْفُ الدِّينِ عَلَى الْبِلَادِ الْجَزَرِيَّةِ خَافَ ابْنُ الدَّايَةِ أَنْ يُغِيرَ إِلَى حَلَبَ فَيَمْلِكُهَا، فَأَرْسَلَ سَعْدُ الدِّينِ إِلَى دِمَشْقَ لِيَحْضُرَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ وَمَعَهُ الْعَسَاكِرُ إِلَى حَلَبَ، فَلَمَّا قَارَبَ دِمَشْقَ سَيَّرَ إِلَيْهِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُقَدَّمِ عَسْكَرًا فَنَهَبُوهُ، وَعَادَ مُنْهَزِمًا إِلَى حَلَبَ، فَأَخْلَفَ عَلَيْهِ ابْنُ الدَّايَةِ عِوَضَ مَا أُخِذَ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ الْأُمَرَاءَ الَّذِينَ بِدِمَشْقَ نَظَرُوا فِي الْمَصْلَحَةِ، فَعَلِمُوا أَنَّ مَسِيرَهُ إِلَى حَلَبَ أَصْلَحُ لِلدَّوْلَةِ مِنْ مَقَامِهِ بِدِمَشْقَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّايَةِ يَطْلُبُونَ إِرْسَالَ سَعْدِ الدِّينِ لِيَأْخُذَ الْمَلِكَ الصَّالِحَ، فَجَهَّزَهُ وَسَيَّرَهُ وَعَلَى نَفْسِهَا بِرَاقِشُ تَجْنِي، فَسَارَ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute