الْإِسْلَامِيَّةِ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي أَقْطَاعِهِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقَوِيَتْ بِهِمْ نُفُوسُ أَهْلِهَا، وَأَحْسَنُوا الْقِتَالَ وَالصَّبْرَ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بَابَ الْبَلَدِ وَخَرَجُوا مِنْهُ عَلَى الْفِرِنْجِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهُمْ غَارُّونَ، وَكَثُرَ الصِّيَاحُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ، فَارْتَاعَ الْفِرِنْجُ وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَوَصَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الدَّبَّابَاتِ فَأَحْرَقُوهَا، وَصَبَرُوا لِلْقِتَالِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلَيْهِمْ، وَظَهَرَتْ أَمَارَاتُهُ، وَلَمْ يَزَالُوا مُبَاشِرِينَ الْقِتَالَ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، وَدَخَلَ أَهْلُ الْبَلَدِ إِلَيْهِ وَهُمْ فَرِحُونَ مُسْتَبْشِرُونَ بِمَا رَأَوْا مِنْ تَبَاشِيرَ الظَّفَرِ وَقُوَّتِهِمْ، وَفَشَلِ الْفِرِنْجِ وَفُتُورِ حَرْبِهِمْ، وَكَثْرَةِ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ فِي رَجَّالَتِهِمْ.
وَأَمَّا صَلَاحُ الدِّينِ فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَهُ الْخَبَرُ سَارَ بِعَسَاكِرِهِ، وَسَيَّرَ مَمْلُوكًا لَهُ وَمَعَهُ ثَلَاثُ جَنَائِبَ لِيَجِدَّ السَّيْرَ عَلَيْهَا إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُبَشِّرُ بِوُصُولِهِ، وَسَيَّرَ طَائِفَةً مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَى دُمْيَاطَ خَوْفًا عَلَيْهَا، وَاحْتِيَاطًا لَهَا، فَسَارَ ذَلِكَ الْمَمْلُوكُ، فَوَصَلَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ مِنْ يَوْمِهِ وَقْتَ الْعَصْرِ، وَالنَّاسُ قَدْ رَجَعُوا مِنَ الْقِتَالِ، فَنَادَى فِي الْبَلَدِ بِمَجِيءِ صَلَاحِ الدِّينِ وَالْعَسَاكِرِ مُسْرِعِينَ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ عَادُوا إِلَى [الْقِتَالِ، وَقَدْ] زَالَ مَا بِهِمْ مِنْ تَعَبٍ وَأَلَمِ الْجِرَاحِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ مَعَهُ، فَهُوَ يُقَاتِلُ قِتَالَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُشَاهَدَ قِتَالُهُ.
وَسَمِعَ الْفِرِنْجُ بِقُرْبِ صَلَاحِ الدِّينِ فِي عَسَاكِرِهِ، فَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَازْدَادُوا تَعَبًا وَفُتُورًا، فَهَاجَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ اخْتِلَاطِ الظَّلَامِ، وَوَصَلُوا إِلَى خِيَامِهِمْ فَغَنِمُوهَا بِمَا فِيهَا مِنَ الْأَسْلِحَةِ الْكَثِيرَةِ وَالتَّحَمُّلَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي رَجَّالَةِ الْفِرِنْجِ، فَهَرَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْبَحْرِ، وَقَرَّبُوا شَوَانِيَهُمْ إِلَى السَّاحِلِ لِيَرْكَبُوا فِيهَا، فَسَلِمَ بَعْضُهُمْ وَرَكِبَ، وَغَرِقَ بَعْضُهُمْ، وَغَاصَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَاءِ وَخَرَقَ بَعْضَ شَوَانِيِّ الْفِرِنْجِ فَغَرِقَتْ، فَخَافَ الْبَاقُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَلَّوْا هَارِبِينَ، وَاحْتَمَى ثَلَاثَمِائَةٌ مِنْ فُرْسَانِ الْفِرِنْجِ عَلَى رَأْسِ تَلٍّ، فَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى بُكْرَةٍ، وَدَامَ الْقِتَالُ إِلَى أَنْ أَضْحَى النَّهَارُ، فَغَلَبَهُمْ أَهْلُ الْبَلَدِ وَقَهَرُوهُمْ فَصَارُوا بَيْنَ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ، وَكَفَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ وَحَاقَ بِالْكَافِرِينَ مَكْرُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute