يَحْمِيهَا وَمُقَاتِلٍ يَذُبُّ عَنْهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَالَ: أَمَّا الْمَدِينَةُ فَأَمْرُهَا سَهْلٌ، وَأَمَّا الْقَلْعَةُ فَمَنِيعَةٌ، وَرُبَّمَا سَلَّمُوهَا إِلَى مَلِكِ الرُّومِ ; لِأَنَّ صَاحِبَهَا ابْنُ أَخِيهِ وَمُجَاوَرَةُ بَيْمُنْدَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُجَاوَرَةِ صَاحِبِ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَبَثَّ السَّرَايَا فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ، فَنَهَبُوهَا، وَأَسَرُوا أَهْلَهَا وَقَتَلُوهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ فَادَى بَيْمُنْدَ الْبِرِنْسَ، صَاحِبَ أَنْطَاكِيَةَ، بِمَالٍ جَزِيلٍ وَأَسْرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَثِيرَةٍ أَطْلَقَهُمْ.
ذِكْرُ مُلْكِ نُورِ الدِّينِ قَلْعَةَ بَانِيَاسَ مِنَ الْفِرِنْجِ أَيْضًا
فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَتَحَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ قَلْعَةَ بَانِيَاسَ، وَهِيَ بِالْقُرْبِ مِنْ دِمَشْقَ، وَكَانَتْ بِيَدِ الْفِرِنْجِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَلَمَّا فَتَحَ حَارِمَ أَذِنَ لِعَسْكَرِ الْمَوْصِلِ وَدِيَارِ بَكْرٍ بِالْعَوْدِ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ طَبَرِيَّةَ، فَجَعَلَ مَنْ بَقِيَ مَنَّ الْفِرِنْجِ هِمَّتَهُمْ حِفْظَهَا وَتَقْوِيَتَهَا، فَسَارَ مَحْمُود إِلَى بَانِيَاسَ لِعِلْمِهِ بِقِلَّةِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْحُمَاةِ الْمَانِعِينَ عَنْهَا، وَنَازَلَهَا، وَضَيَّقَ عَلَيْهَا وَقَاتَلَهَا، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ عَسْكَرِهِ أَخُوهُ نُصْرَةُ الدِّينِ أَمِيرُ أَمِيرَانِ، فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَأَذْهَبَ إِحْدَى عَيْنَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ نُورُ الدِّينِ قَالَ لَهُ: لَوْ كُشِفَ لَكَ عَنِ الْأَجْرِ الَّذِي أُعِدَّ لَكَ لَتَمَنَّيْتَ ذَهَابَ الْأُخْرَى. وَجَدَّ فِي حِصَارِهَا، فَسَمِعَ الْفِرِنْجُ، فَجَمَعُوا، فَلَمْ تَتَكَامَلْ عُدَّتَهُمْ، حَتَّى فَتَحَهَا، عَلَى أَنَّ الْفِرِنْجَ كَانُوا قَدْ ضَعُفُوا بِقَتْلِ رِجَالِهِمْ بِحَارِمَ وَأَسْرِهِمْ، فَمَلَكَ الْقَلْعَةَ، وَمَلَأَهَا ذَخَائِرَ، وَعُدَّةً، وَرِجَالًا، وَشَاطَرَ الْفِرِنْجَ فِي أَعْمَالِ طَبَرِيَّةَ، وَقَرَّرُوا لَهُ عَلَى الْأَعْمَالِ الَّتِي لَمْ يُشَاطِرْهُمْ عَلَيْهَا مَالًا فِي كُلِّ سَنَةٍ.
وَوَصَلَ خَبَرُ مُلْكِ حَارِمَ وَحَصْرِ بَانِيَاسَ إِلَى الْفِرِنْجِ بِمِصْرَ، فَصَالَحُوا شِيرِكُوهْ، وَعَادُوا لِيُدْرِكُوا بَانِيَاسَ، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَّا وَقَدْ مَلَكَهَا، وَلَمَّا عَادَ مِنْهَا إِلَى دِمَشْقَ كَانَ بِيَدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute