للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَتَا نَعَمْ فَهَلْ تَعْلَمِينَ أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرْقُدُ عَلَى عَبَاءَةٍ عَلَى طَاقَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ لَهُ مِسْحٌ فِي بَيْتِك يَا عَائِشَةُ يَكُونُ بِاللَّيْلِ بِسَاطًا وَبِالنَّهَارِ فِرَاشًا فَنَدْخُلُ عَلَيْهِ فَنَرَى أَثَرَ الْحَصِيرِ عَلَى جَنْبِهِ أَلَا يَا حَفْصَةُ أَنْتِ حَدَّثْتنِي أَنَّك ثَنَيْت الْمِسْحَ لَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَوَجَدَ لِينَهُ فَرَقَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بِأَذَانِ بِلَالٍ يَا حَفْصَةُ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَغْفُورًا لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَمْسَى جَائِعًا وَرَقَدَ سَاجِدًا، وَلَمْ يَزَلْ رَاكِعًا سَاجِدًا وَبَاكِيًا وَمُتَضَرِّعًا فِي آنَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا أَكَلَ عُمَرُ طَيِّبًا، وَلَا لَبِسَ لَيِّنًا، وَلَهُ أُسْوَةٌ بِصَاحِبَيْهِ، وَلَا جَمَعَ بَيْنَ إدْمَيْنِ إلَّا الْمِلْحَ وَالزَّيْتَ، وَلَا أَكَلَ لَحْمًا إلَّا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً حَتَّى يَنْقَضِيَ مَا انْقَضَى مِنْ الْقَوْلِ قَالَتَا فَخَرَجْنَا فَخَبَّرْنَا بِذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى لَحِقَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

(طب عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) ، وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهُ «مَا كَانَ يَبْقَى عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ قَلِيلٌ، وَلَا كَثِيرٌ» وَكَلِمَةُ كَانَ لِلِاسْتِمْرَارِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى إيثَارِ الْفَقْرِ بِوَجْهَيْنِ قِلَّةُ الطَّعَامِ، وَإِيثَارُ الشَّعِيرِ.

وَفِي الشِّرْعَةِ فَمِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ أَكْلُ خُبْزِ الشَّعِيرِ فَذَلِكَ أَكْثَرُ طَعَامِهِمْ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَشْبَعُ مِنْهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ» فَلَا يَأْكُلُ الْمُؤْمِنُ إلَّا مِنْهُ أَوْ يَخْلِطُ بُرًّا بِالشَّعِيرِ، وَفِي الْحَدِيثِ «ثَلَاثٌ فِيهِنَّ الْبَرَكَةُ الْبَيْعُ إلَى الْأَجَلِ وَالْمُعَارَضَةُ أَيْ بَيْعُ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ وَخَلْطُ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لِلْبَيْتِ لَا لِلْبَيْعِ» . (ط عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ، وَقَدْ رَقَّعَ) فِي ثَوْبِهِ (بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رُقْعَةٍ، وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُجْعَلُ مَكَانَ الْقَطْعِ مِنْ الثَّوْبِ (ثَلَاثَ لِبَدٍ) أَيْ صَارَ مُلْبَدًا مُلْصَقًا كَاللِّبَدِ (بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ) ، وَهَذَا مِنْ زُهْدِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ سَمِعْت قَرِيبًا أَنَّ خَزَائِنَ مُلُوكِ الدُّنْيَا كَقَيْصَرَ وَكِسْرَى فِي يَدِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيمٌ لِلْغَيْرِ بِمَا هُوَ اللَّائِقُ لِلْإِنْسَانِ أَوْ لِمَنْ هُوَ خَلِيفَةٌ بَعْدَهُ إذْ فُرَصُ الدُّنْيَا غَالِيَةٌ فِي مَقَامِهِمْ فَيَرَوْنَهُ أَوْ يَسْمَعُونَهُ فَيَقْتَدُونَ بِهِ فَلَا يَظْلِمُونَ الرَّعَايَا، وَلَا يَطْمَعُونَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ لِتَحْصِيلِ الْمَلَابِسِ النَّفِيسَةِ وَكَذَا الْمَآكِلَ اللَّطِيفَةَ وَكَذَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت عُمَرَ، وَعَلَيْهِ مُرَقَّعَةٌ فِيهَا سَبْعَ عَشْرَةَ رُقْعَةً فَانْصَرَفَ إلَى بَيْتِي بَاكِيًا ثُمَّ عُدْت فِي طَرِيقِي فَإِذَا عُمَرُ، وَعَلَى عَاتِقِهِ قِرْبَةُ مَاءٍ، وَهُوَ يَتَخَلَّلُ النَّاسَ فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَا تَتَكَلَّمْ، وَأَقُولُ لَك فَسِرْت مَعَهُ حَتَّى صَبَّهَا فِي بَيْتِ عَجُوزٍ، وَعُدْنَا إلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَ لِي إنَّهُ حَضَرَنِي بَعْدَ مُضِيِّك رَسُولُ الرُّومِ وَرَسُولُ الْفُرْسِ فَقَالُوا لِلَّهِ دَرُّك يَا عُمَرُ قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى عِلْمِك، وَفَضْلِك، وَعَدْلِك فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِي تَدَاخَلَنِي مَا تَدَاخَلَ الْبَشَرَ فَقُمْت فَعَلْت بِنَفْسِي مَا فَعَلْت، وَفِي الِاحْتِسَابِ رَسُولُ مَلِكِ الرُّومِ جَاءَ بِهَدَايَا فَلَمْ يَجِدْ عُمَرُ فِي بَيْتِهِ وَبَيْتُهُ صَغِيرٌ مُسَوَّدٌ لِطُولِ الزَّمَانِ، وَقِيلَ إنَّهُ فِي السُّوقِ لِحَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ فَطَلَبَهُ فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ تَحْتَ ظِلِّ حَائِطٍ مُتَوَسِّدٌ بِالدِّرَّةِ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ عَدَلْت فَأَمِنْت وَأُمَرَاؤُنَا ظَلَمُوا فَاحْتَاجُوا إلَى الْحُصُونِ وَالْجُيُوشِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ أَنَّ زَوْجَةَ عُمَرَ اسْتَقْرَضَتْ دِينَارًا وَاشْتَرَتْ بِهِ عِطْرًا فِي قَوَارِيرَ، وَأَرْسَلَتْهُ هَدِيَّةً إلَى زَوْجَةِ مَلِكِ الرُّومِ، وَأَرْسَلَتْ الزَّوْجَةُ إلَى زَوْجَةِ عُمَرَ جَوَاهِرَ فَلَمَّا أَخْبَرَتْ عُمَرَ أَخَذَهَا فَبَاعَهَا وَدَفَعَ إلَى امْرَأَتِهِ دِينَارًا وَجَعَلَ مَا بَقِيَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَكَذَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا اشْتَرَى قَمِيصًا فِي خِلَافَتِهِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>