للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:
مسار الصفحة الحالية:

وَالصَّحْبِ، وَفِي تَقْدِيمِ الْآلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَوَدَّةَ الْقُرْبَى أَقْدَمُ مِنْ مَوَدَّةِ الصُّحْبَةِ يَعْنِي: اسْتِحْقَاقُ الْقَرَابَةِ أَوْلَى وَأَقْدَمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الصُّحْبَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى دَرَجَةِ الْفَضْلِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: ٢٣] {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] لَعَلَّ وَجْهَ التَّكْرِيرِ أَنَّ الْأَوَّلَ لِلنِّعْمَةِ الْخَاصَّةِ وَهَذَا لِلْعَامَّةِ أَوْ الْأَوَّلُ عَلَى الْفَضَائِلِ وَهَذَا عَلَى الْكُلِّ، أَوْ الْأَوَّلُ عَلَى كَوْنِ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ اخْتِيَارِيًّا، وَهَذَا عَامٌّ أَوْ الْأَوَّلُ اسْتِحْقَاقُهُ الْحَمْدَ مِنْ حَيْثُ صِفَاتُهُ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، أَوْ الثَّانِي حِكَايَةُ حَمْدِهِ - تَعَالَى - نَفْسَهُ عَلَى صِفَاتِهِ بِمَعْنَى إكْمَالِ كَمَالِ ضَرَاعَتِهِ كَمَا فَصَّلَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَطَالِعِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الثَّانِي هُوَ عَيْنُ الْمُرَادِ مِنْ الْأَوَّلِ عَلَى نَهْجِ التَّأْكِيدِ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ الْحَمْدِ لِقُوَّةِ عَظَمَةِ النِّعَمِ الَّتِي مِنْهَا التَّصْنِيفُ الَّذِي هُوَ أَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ، وَأَعْظَمُ الْأَعْمَالِ الدَّائِمَةِ الْغَيْرِ الْمُنْقَطِعَةِ وَأَقْوَى الصَّدَقَاتِ الْجَارِيَةِ لِجَمْعِهِ جَمِيعَ مُهِمَّاتِ الدِّينِ اعْتِقَادًا وَأَخْلَاقًا وَأَعْمَالًا

وَفِي إيثَارِهِ لَفْظَ الْحَمْدِ دُونَ الشُّكْرِ وَالْمَدْحِ عَمَلٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ» وَامْتِثَالٌ وَعَمَلٌ وَاقْتِبَاسٌ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ تَعْلِيمِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ ذِهْنٍ ذَاهِلٍ وَقَلْبٍ غَافِلٍ وَقَائِلٍ لَا فَاعِلٍ وَعَالِمٍ لَا عَامِلٍ وَوَاعِظٍ غَيْرِ مُتَّعِظٍ وَنَاصِحٍ غَيْرِ مُتَنَصِّحٍ وَآمِرٍ بِتَقْوَى غَيْرِ مُتَّقٍ كَطَبِيبٍ يُدَاوِي النَّاسَ وَهُوَ مَرِيضٌ وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَغْلَطُونَ فِي اسْمِهِ فِي زَعْمِهِمْ بِحُسْنِهِ وَلَيْسَ بِحَسَنٍ فِي نَفْسِهِ لِتَبَحُّرِهِ فِي الْفُرُطَاتِ وَتَعَمُّقِهِ فِي إكْمَالِ التَّقْصِيرَاتِ لِكَوْنِهِ خَدِيمَ الْأَهْوَاءِ الْهُيُولَانِيَّةِ وَانْتِكَاسِهِ فِي مَهَاوِي سِجِّينِ الدُّنْيَاوِيَّةِ لِعَدَمِ نَظَرِ نَفْسِهِ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَعَدَمِ اتِّقَائِهِ فِي الْيَوْمِ بِرَغَدٍ فَأَيْنَ أَمْرُ «جَاهَدُوا فِينَا» حَتَّى يُتَوَصَّلَ إلَى «لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» وَقَدْ كَانَ مَنْ جَاهَدَ إنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: ١٤٤] وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ قَوْلٍ بِلَا عَمَلٍ وَدَعْوَى عِلْمٍ مَعَ تَقْصِيرٍ فِيهِ وَخَلَلٍ، وَمِنْ خَاطِرٍ دَعَانَا إلَى التَّصْنِيعِ فِي كِتَابٍ سَطَّرْنَاهُ أَوْ كَلَامٍ نَظَّمْنَاهُ أَوْ عِلْمٍ أَفَدْنَاهُ، وَمِنْ كُلِّ مَا زَلَّ بِهِ الْقَدَمُ أَوْ طَغَى بِهِ الْقَلَمُ وَنَسْأَلُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُ وِزْرًا وَوَبَالًا وَيَجْعَلَهُ ذَرِيعَةَ عَفْوٍ وَغُفْرَانٍ وَسَلَامَةَ بَالٍ وَحَاشَا أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ عَدَّ نَفْسِي مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ بَلْ إنْجَازَ وَعْدٍ سَبَقَ فِي حُضُورِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ خِدْمَةً وَقُرْبَةً لِرَحْمَةِ الْعَالَمِينَ عَسَى أَنْ يَحْشُرَنِي اللَّهُ فِي زُمْرَتِهِ مَعَ الصَّالِحِينَ

وَقَدْ اتَّفَقَ مَسْكِيَّةُ الْخِتَامِ قُبَيْلَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ اللَّيَالِي الْعِظَامِ وَظَهَرَ أَثَرُ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ بِإِشَارَاتٍ قُدْسِيَّةٍ وَتَلْوِيحَاتٍ أُنْسِيَّةٍ لَائِحَةٍ بِالْقَبُولِ وَالْإِحْسَانِ لِكُلِّ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ فَحَمْدًا ثُمَّ حَمْدًا ثُمَّ حَمْدًا لَهُ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى أَفْضَلِ مَنْ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِ كُلٍّ أَجْمَعِينَ فِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ مِنْ هِجْرَةِ مَنْ لَهُ الْعِزُّ وَالشَّرَفُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ آمِينَ

<<  <  ج: ص: