وَعَنْ إِسْحَاقَ الْهَرَوِيِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ الشَّرَفَ كُلَّ شَرَفٍ فَلْيَخْتَرْ سَبْعًا عَلَى سَبْعٍ فَإِنَّ الصَّالِحِينَ اخْتَارُوهَا حَتَّى بَلَغُوا سَنَامَ الْخَيْرَاتِ يَخْتَارُ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى وَالْجُوعَ عَلَى الشِّبَعِ وَالدُّونَ عَلَى الْمُرْتَفِعِ وَالذُّلَّ عَلَى الْعِزِّ وَالتَّوَاضُعَ عَلَى الْكِبْرِ وَالْحُزْنَ عَلَى الْفَرَحِ وَالْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ؛ وَلِذَا كَانَ السَّلَفُ يَفِرُّونَ إلَى الْفَقْرِ وَالْبَلْوَى كَمَا فَرَرْنَا مِنْهُمَا وَكَمَا حُكِيَ عَنْ خَيْرِ النُّسَّاجِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت بَعْضَ الْمَسَاجِدِ فَإِذَا فِيهِ فَقِيرٌ فَلَمَّا رَآنِي تَعَلَّقَ بِي، وَقَالَ أَيُّهَا الشَّيْخُ تَعَطَّفْ عَلَيَّ فَإِنَّ مِحْنَتِي عَظِيمَةٌ فَقُلْت وَمَا هِيَ قَالَ فَقَدْت الْبَلَاءَ، وَقُرِنْت بِالْعَافِيَةِ فَنَظَرْت فَإِذَا هُوَ قَدْ فُتِحَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْفَقِيرَ الصَّادِقَ لَيَحْتَرِزُ مِنْ الْغِنَى حَذَرَ أَنْ يَدْخُلَهُ فَيُفْسِدَ عَلَيْهِ فَقْرَهُ كَمَا أَنَّ الْغَنِيَّ يَحْتَرِزُ مِنْ الْفَقْرِ حَذَرَ أَنْ يَدْخُلَهُ فَيُفْسِدَ عَلَيْهِ غِنَاهُ.
ثُمَّ إنَّمَا أَوْصَى بِدَوَامِ الْفَقْرِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ طَهَارَةِ السِّرِّ وَصَفَاءِ الْقَلْبِ بِالْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِنَحْوِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِهِمَا شَهْوَةٌ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْفَاقَاتِ لِتَبَايُنِهَا لِنَحْوِ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ، وَقِيلَ إنَّ بِنْتَ فَتْحٍ الْمَوْصِلِيِّ عَرِيَتْ فَقِيلَ لَهُ أَلَا تَطْلُبُ مَنْ يَكْسُوهَا فَقَالَ لَا دَعْهَا حَتَّى يَرَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَبْرِي عَلَيْهَا قَالَ فَكَانَ إذَا كَانَ لَيَالِي الشِّتَاءِ جَمَعَ عِيَالَهُ وَرَمَى بِكِسَائِهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَفْقَرْتنِي، وَأَفْقَرْت عِيَالِي، وَأَعْرَيْتنِي، وَأَعْرَيْت عِيَالِي وَجَوَّعْتنِي وَجَوَّعْت عِيَالِي بِأَيِّ وَسِيلَةٍ تَوَسَّلْت إلَيْك، وَإِنَّمَا تَفْعَلُ هَذَا بِأَوْلِيَائِك، وَأَحِبَّائِك فَهَلْ أَنَا مِنْهُمْ حَتَّى أَفْرَحَ وَمِثْلُهُ عَنْ الْفُضَيْلِ أَنَّهُ بَكَى فِي لَيْلَةٍ فَقَالَ إلَهِي أَفْقَرْتنِي، وَأَقْعَدْتنِي، وَأَقْعَدْت عِيَالِي فِي بَيْتٍ لَيْسَ بِهِ مِصْبَاحٌ، وَقَدِيمًا تَفْعَلُ هَذَا بِأَوْلِيَائِك، وَأَهْلِ طَاعَتِك إلَهِي فَبِأَيِّ عَمَلٍ اسْتَحْقَقْت هَذَا حَتَّى أَدُومَ عَلَيْهِ.
«، وَلَا تَمُتْ غَنِيًّا» قِيلَ لَا تُخَالِطْ الْغَنِيَّ، وَلَا تُلَابِسْهُ أَبَدًا فَتَمُوتَ عَلَيْهِ. (طصس) الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «لَمْ يَكُنْ يُنْخَلْ» عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ «لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّقِيقُ» نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَكَانَ دَقِيقُهُ الشَّعِيرَ «، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قَمِيصٌ وَاحِدٌ» إعْرَاضًا عَنْ زَهَرَاتِ الدُّنْيَا لَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى أَكْثَرَ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي شِفَاءِ عِيَاضٍ رُوِيَ «أَنَّ جَبْرَائِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَامَ وَيَقُولُ أَيُحِبُّ حَبِيبِي أَنْ أَجْعَلَ هَذِهِ الْجِبَالَ ذَهَبًا وَتَكُونَ مَعَك حَيْثُمَا كُنْتَ فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ يَا جَبْرَائِيلُ إنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَبِهَا يَغْتَرُّ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ إنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أَشْبَعَ يَوْمًا، وَأَجُوعَ يَوْمًا فَإِذَا جُعْت تَضَرَّعْت، وَإِذَا شَبِعْت شَكَرْت فَقَالَ جَبْرَائِيلُ ثَبَّتَك اللَّهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» .
وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا مَلَكْت قَمِيصَيْنِ، وَعَنْ بَعْضٍ رَأَيْت كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَامَتْ فَيُقَالُ أَدْخِلُوا مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ وَاسِعٍ الْجَنَّةَ فَنَظَرْت أَيُّهُمَا يَتَقَدَّمُ فَتَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ فَسَأَلْت عَنْ سَبَبِهِ فَقِيلَ إنَّهُ كَانَ لَهُ قَمِيصٌ وَاحِدٌ؛ وَلِمَالِكٍ قَمِيصَانِ، وَعَنْ الْعَوَارِفِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَقَدْ رَأَيْت سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ يُصَلُّونَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَبْلُغُ رُكْبَتَيْهِ فَإِذَا رَكَعَ أَحَدُهُمْ قَبَضَ بِيَدَيْهِ مَخَافَةَ أَنْ تَبْدُوَ عَوْرَتُهُ.
وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَقِيَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَإِذَا نَامُوا يُلْصِقُونَ جُنُوبَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ بِلَا حَائِلٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمِشْكَاةِ، وَعَنْ جَامِعِ الشُّرُوحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute