(خ م عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ» إمَّا فِي الْمِعْرَاجِ أَوْ بِالْكَشْفِ أَوْ فِي الْمَنَامِ أَوْ بِالْإِلْهَامِ «فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ» إمَّا مَالًا كَمَا هُوَ عِنْدَ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ زُهْدًا وَانْقِطَاعًا إلَى اللَّهِ كَمَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ كَفَى ذَا الْمَالِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّطْهِيرِ، وَلَوْلَا التَّدْنِيسُ بِهِ لَمْ تُطَهِّرْهُ الزَّكَاةُ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ لِعَدَمِ تَدَنُّسِهِمْ إذْ هُمْ خُزَّانُ اللَّهِ وَأُمَنَاؤُهُ عَلَى خَلْقِهِ؛ وَلِلنَّاسِ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ غَنِيٍّ شَاكِرٍ، وَفَقِيرٍ صَابِرٍ مَعَارِكُ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ أَفْضَلَهُمَا أَتْقَاهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا اسْتَوَيَا - {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]- كَذَا فِي الْفَيْضِ أَقُولُ، وَقَدْ سَمِعْت أَيْضًا فَضْلَ الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ عَنْ بَحْرِ الْكَلَامِ، وَفَضْلَ الْكَفَافِ مِنْهُمَا عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَفِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ قِيلَ الْغَنِيُّ أَفْضَلُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي ضَعْفِ الْفَقْرِ مَعَ مَزِيَّةِ الْغَنِيِّ بِالْخَيْرَاتِ، وَقِيلَ الْفَقْرُ أَفْضَلُ فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ هُوَ مَحَبَّةُ الدُّنْيَا وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْفَقْرَ أَبْعَدُ عَلَى الْخَطَرِ، وَقَالُوا مِنْ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَجِدَ «وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» لِعَدَمِ صَبْرِهِنَّ عَلَى الشِّدَّةِ، وَعَدَمِ شُكْرِهِنَّ فِي الرَّخَاءِ وَكُفْرَانِهِنَّ النِّعْمَةَ وَكَثْرَتِهِنَّ اللَّعْنَ وَغَلَبَةِ الْهَوَى فِيهِنَّ وَمَيْلِهِنَّ إلَى زُخْرُفِ الدُّنْيَا، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ مَفَاخِرِ الْآخِرَةِ أَغْلَبُ لِضَعْفِ عَقْلِهِنَّ وَسُرْعَةِ انْخِدَاعِهِنَّ، وَعُورِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ حَالَ كَوْنِهِنَّ فِي النَّارِ أَمَّا بَعْدَ الْخُرُوجِ فَالنِّسَاءُ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ زَوْجَتَيْنِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَسَبْعِينَ مِنْ الْحَوَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَعُورِضَ بِخَبَرِ «رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» وَأُجِيبَ أَنَّ كَثْرَتَهُنَّ فِي النَّارِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَكَثْرَتَهُنَّ فِي الْجَنَّةِ مِنْ نِسَاءِ الْآخِرَةِ، وَفِيهِ أَيْضًا حَثٌّ عَلَى التَّقَلُّلِ مِنْ الدُّنْيَا وَتَحْرِيضُ النِّسَاءِ عَلَى التَّقْوَى وَالْمُحَافَظَةِ فِي الدِّينِ عَلَى السَّبَبِ الْأَقْوَى، وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ الْآنَ كَذَا فِي الْفَيْضِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْأَغْنِيَاءُ بَدَلُ النِّسَاءِ، وَفِي أُخْرَى بِهِمَا مَعًا.
(مج) ابْنُ مَاجَهْ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْفَقِيرَ الْمُتَعَفِّفَ» أَيْ الْمُتَكَلِّفَ فِي الْعِفَّةِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ، وَعَنْ إذْلَالِ نَفْسِهِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَالسَّعْيِ فِي خِدْمَةِ أَهْلِهَا (أَبَا الْعِيَالِ) ثِقَةٌ بِضَمَانِ مَوْلَاهُ لَعَلَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ أَوْ لِلتَّلَهِّي وَالِادِّخَارِ، وَإِلَّا جَاءَ فِي الْأَثَرِ «مَنْ جَاعَ فَلَمْ يَسْأَلْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» ، وَقَدْ سَأَلَ النَّاسَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى وَالْخَضِرُ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} [الكهف: ٧٧]- وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْحَدَّادِيُّ شَيْخُ الْجُنَيْدِ يَسْأَلُ مِنْ بَابٍ أَوْ مِنْ بَابَيْنِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَكَانَ لَهُ مَقَامٌ فِي الزُّهْدِ وَالتَّوَكُّلِ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ آدَمَ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا بِجَامِعِ الْبَصْرَةِ مُدَّةً وَكَانَ يُفْطِرُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَيْلَةً، وَلَيْلَةُ إفْطَارِهِ يَطْلُبُ مِنْ الْأَبْوَابِ وَالثَّوْرِيُّ يَسْأَلُ فِي بَوَادِي الْحِجَازِ إلَى صَنْعَاءَ قَالَ كُنْت أَذْكُرُ لَهُمْ حَدِيثًا فِي الضِّيَافَةِ فَيُخْرِجُونَ إلَيَّ طَعَامًا فَأَتَنَاوَلُ مِنْهُ حَاجَتِي، وَأَتْرُكُ مَا بَقِيَ قَالَ بِشْرٌ الْحَافِي مَا سَأَلْت قَطُّ أَحَدًا إلَّا السَّرَقُسْطِيَّ؛ لِأَنَّهُ زَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا وَيَفْرَحُ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ مِنْ يَدِهِ وَيَتَبَرَّمُ بِبَقَائِهِ عِنْدَهُ، كُلُّهُ مِنْ شَرْحِ الْحِكَمِ.
وَفِي الْقُشَيْرِيَّةِ مَكَثَ أَبُو حَفْصٍ الْحَدَّادُ عِشْرِينَ سَنَةً يَعْمَلُ كُلَّ يَوْمٍ بِدِينَارٍ وَيُنْفِقُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَيَصُومُ وَيَخْرُجُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبْوَابِ (طب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مُتْ فَقِيرًا» دُمْ عَلَى الْفَقْرِ لِتَمُوتَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute