كُلَّهُ فِي بَيْتٍ وَجَعَلَ مِفْتَاحَهُ حُبَّ الدُّنْيَا وَجَعَلَ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي بَيْتٍ وَجَعَلَ مِفْتَاحَهُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا «، وَأَنْ تَكُونَ» لِكَمَالِ إيمَانِك «فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إذَا أُصِبْت بِهَا» بُنِيَ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْأَدَبَ فِي مِثْلِهِ عَدَمُ الْإِسْنَادِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مِنْهُ تَعَالَى «أَرْغَبَ مِنْك فِيهَا لَوْ أَنَّهَا بَقِيَتْ لَك» أَيْ كَوْنُ رَغْبَتِك فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ أَشَدَّ مِنْ رَغْبَتِك فِي مَحَلِّ الْمُصِيبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَقَاءِ، وَعَلَامَتُهُ عَدَمُ الرِّضَا بِمَحَلِّهَا مَعَ فَقْدِ الثَّوَابِ
(وَلْنَذْكُرْ مَا وَرَدَ فِي مَدْحِ الْفَقْرِ فَإِنَّ سَمَاعَهُ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ الزُّهْدِ) وَالْفَقِيرُ فِي اللُّغَةِ مَنْ لَهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ، وَعِنْدَ بَعْضٍ بِالْعَكْسِ، وَعِنْدَ الصُّوفِيَّةِ هُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَسْتَغْنِي إلَّا بِهِ، وَلَا يَسْتَرِيحُ إلَّا بِالْحُضُورِ مَعَهُ، وَعَلَامَتُهُ عَدَمُ الْأَسْبَابِ.
(ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ نِصْفِ يَوْمٍ» بِأَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [الحج: ٤٧] وَنِصْفِ يَوْمٍ مَجْرُورٌ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ يَعْنِي خَمْسَمِائَةِ عَامٍ هُوَ نِصْفُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْقِيَامَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «أَرْبَعِينَ عَامًا» لِصَبْرِهِمْ عَلَى بَلْوَى الْفَقْرِ، وَلَا يَجْعَلُونَ فَقْرَهُمْ مَانِعًا لِطَاعَةِ رَبِّهِمْ بَلْ يَجْعَلُونَ الْغِنَى مَانِعًا فَلَا يَخْتَارُونَهُ مَعَ سُهُولَةِ سَبِيلِهِ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّ الْأَغْنِيَاءَ عَلَيْهِمْ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَتْ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَيَطُولُ حِسَابُهُمْ فَتَسْبِقُ الْفُقَرَاءِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْفُقَرَاءِ فُقَرَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ حُبُّ اللَّهِ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْمَيْلِ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ بِالْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ ثُمَّ لَعَلَّ الْمُرَادَ الْفَقِيرُ الصَّابِرُ مَعَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَعُمَّ إلَى الْفَقِيرِ الْغَيْرِ الصَّابِرِ مَعَ الْغَنِيِّ الْغَيْرِ الشَّاكِرِ، وَأَمَّا الصَّابِرُ مَعَ الْغَيْرِ الشَّاكِرِ فَبِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ قُبُورِهِمْ لَهُمْ نُجُبٌ يَرْكَبُونَهَا لَهَا أَجْنِحَةٌ خُضْرٌ فَتَطِيرُ بِهِمْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَأْتُوا عَلَى حِيطَانِ الْجَنَّةِ فَإِذَا رَأَتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَنْ هَؤُلَاءِ فَيَقُولُونَ مَا نَدْرِي لَعَلَّهُمْ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَأْتِيهِمْ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ فَيَقُولُونَ مَنْ أَنْتُمْ وَمِنْ أَيِّ الْأُمَمِ أَنْتُمْ فَيَقُولُونَ نَحْنُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute