الْإِكْثَارُ مِنْ اسْمِهِ تَعَالَى: " اللَّهُ ".
وَأَنَّ الْمُلْهَمَةَ: الَّتِي أُلْهِمَتْ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا مَقَامُهَا مَقَامُ الْأَسْرَارِ، صَاحِبُهَا نَشْوَانُ، يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْمَحَبَّةُ وَالْهَيَمَانُ وَالتَّوَاضُعُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْخَلْقِ وَالتَّعَلُّقُ بِالْحَقِّ، يُنَاسِبُهُ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ اسْمِهِ تَعَالَى " هُوَ " بِالْمَدِّ؛ لِتَخَلُّصٍ مِنْ وَرْطَتِهَا وَأَنَّ الرَّاضِيَةَ كَثِيرَةُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ مَقَامُهَا مَقَامُ الْوِصَالِ صَاحِبُهَا غَرِيقٌ فِي السُّكْرِ يُنَاسِبُهُ الْخَلْوَةُ وَكَثْرَةُ ذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى: " الْحَيُّ " لِيُحْيِيَ بِهِ نَفْسَهُ. وَأَنَّ النَّفْسَ الْمَرَضِيَّةَ صَاحِبُهَا لَا يَرَى صُدُورَ الْأَفْعَالِ إلَّا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَقَامَهَا مَقَامُ تَجَلِّيَاتِ الْأَفْعَالِ، فَلَا يُمْكِنُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى أَحَدٍ، حَسَنُ الْخُلُقِ، يَتَلَذَّذُ بِالْحَيْرَةِ، كَمَا قِيلَ:
زِدْنِي بِفَرْطِ الْحُبِّ فِيك تَحَيُّرًا ... وَارْحَمْ حَشَا بِلَظَى هَوَاك تَسَعُّرَا
وَيُنَاسِبُهُ كَثْرَةُ ذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى: " قَيُّومٌ ". وَأَنَّ النَّفْسَ الْكَامِلَةَ مَقَامُهَا مَقَامُ تَجَلِّيَاتِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ يُنَاسِبُهَا كَثْرَةُ ذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى: " قَهَّارٌ " لِيَحْصُلَ لَهَا تَمَامُ الْقَهْرِ وَيَزُولَ عَنْهَا بَقَايَا النَّقْصِ وَحَالُهَا الْبَقَاءُ بِاَللَّهِ، تَسِيرُ بِاَللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَتَرْجِعُ مِنْ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، لَيْسَ لَهَا مَأْوَى سِوَاهُ عُلُومُهَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ اللَّهِ كَمَا قِيلَ: وَبَعْدَ الْفَنَا بِاَللَّهِ كُنَّ كَيْفَمَا تَشَاءُ فَعِلْمُك لَا جَهْلٌ وَفِعْلُك لَا وِزْرُ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَإِنْ كَانَ يَكْرَهُهَا فَلِذَلِكَ كَانَ كَثِيرَ التَّوْبَةِ وَيُسَمَّى تَوَّابًا وَهُوَ مَمْدُوحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: ٢٢٢] لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: ٢] .
قَوْلُهُ: [الْإِكْثَارُ مِنْ اسْمِهِ تَعَالَى اللَّهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ الِاسْمُ الْجَامِعُ وَإِنَّمَا طَلَبَ الْإِكْثَارَ مِنْهُ مُجَرَّدًا؛ لِأَنَّ ظُلْمَةَ الشِّرْكِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ قَدْ أُزِيلَتْ عَنْ قَلْبِهِ.
قَوْلُهُ: [وَأَنَّ الْمُلْهَمَةَ] : أَيْ الَّتِي مَدَحَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: ٧] {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٨] {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: ٩] أَيْ طَهَّرَهَا مِنْ الذُّنُوبِ وَشَهَوَاتِهَا وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ١٠] مَعْنَاهُ دَسَّهَا بِالْمَعَاصِي وَأَلْبَسَهَا بِهَا.
قَوْلُهُ: [يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْمَحَبَّةُ] إلَخْ: تَفْسِيرٌ لِنَشْوَانَ.
قَوْلُهُ: [مَقَامُ الْوِصَالِ] : أَيْ الْحُضُورُ مَعَ رَبِّهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ.
قَوْلُهُ: [كَمَا قِيلَ زِدْنِي] إلَخْ: الْقَائِلُ لَهُ سَيِّدِي عُمَرُ بْنُ الْفَارِضِ.
قَوْلُهُ: [كَمَا قِيلَ وَبَعْدَ الْفَنَا] إلَخْ: الْقَائِلُ لَهُ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ وَفَا.