للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(قال) أبو طالب المكى فى قوت القلوب: ومما أحدثوا من البدع لبس الثياب الذى خرجوا به عن حدَّ السمت والوقار، وتكلفهم فى حملة إن تركوه مدلى ثقل عليهم فى مشيهم فثقل مروءة أحدهم بسببه، ولا يقدر على المشى الكثير، ولا على تعاطى قضاء الحوائج. وإن رفع يديه به كان فيه كلفة وإن كان فى صلاة فإن رفع يديه به ضمة إليه، كان فيه شغل فى الصلاة فيمنع منه، لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يكفت أحد شعره فى الصلاة. أو يضم ثوبه، وإن تركه على حاله انفرش على الأرض حين السجود والجلوس فيمسك به إن كان فى المسجد ما ليس له أن يمسكه، لأنه ليس له فى المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه. وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين فيكون غاضباً قدراً من المسجد وهو محرم، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين (١) {١٧٦}

(وربما) أرتكب بدعة أخرى لأجل ثيابه وهى فرش سجادة. وربما جلس عليها وحده فيزداد الغصب مع ما ينضاف إلى ذلك من الخيلاء، وهذا أمر لو فعله بعض الأعاجم أو الجهلاء بدينهم، لوجب على العالم تحذيرهم منه وزجرهم والأخذ على أيديهم أو وعظهم إن كان يخاف شوكتهم، فكيف يفعله العالم فى نفسه؟ كان الناس يقتبسون آثار العالم ويهتدون بهديه ويرجعون عن عوائدهم لعوائده، فانعكس الأمر فصار من لا علم عنده من الأعاجم وغيرهم يحدثون أشياء مثل هذا، فيسكت لهم عليه ثم يتشبه العالم بهم فى فعلهم فكان الناس يقتدون بالعلماء، فرجعنا نقتدى بفعل الجهلاء.


(١) أخرجه أحمد والشيخان عن عائشة انظر ص ٦٣ ج ٣ تيسير الوصول (الغصب)