للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٦ - بدع قيام الليل:

قد خرج بعض المتعبدين في قيام الليل عن الجادة والطريق القويم، طريق سيد الأوابين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

(وقد) بين بعض ذلك الحافظ ابن الجوزي، قال: وقد لبس إبليس على جماعة من المتعبدين، فأكثروا من صلاة الليل، وفيهم من يسهره كله، ويفرح بقيام الليل وصلاة الضحى أكثر مما يفرح بأداء الفرائض، ثم يقع (أي ينام) قبيل الفجر فتفوته الفريضة أو يقوم فيتهيأ لها فتفوته الجماعة، أو يصبح كسلان، فلا يقدر على الكسب لعائلته.

(ولقد) رأيت شيخاً من المتعبدين يمشي كثيراً من النهار في جامع المنصور، فسألت عن سبب مشيه؟ فقيل لي: لئلا ينام. فقلت: هذا جهلٌ بمقتضى الشرع والعقل.

أما الشرع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لنفسك عليك حقاً فقم ونم (١). وكان يقول: عليكم هدياً قاصداً فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه (٢).


(١) هو بعض حديث أخرجه أبو داود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون، فجاءه فقال: يا عثمان أرغبت عن سنتي؟ قال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب. قال: فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر وصل ونم [٢٨٧] ص ٣٠٣ ج ٧ المنهل العذب (ما يؤمر به من القصد في الصلاة).
(٢) هو بعض حديث أخرجه أحمد والبيهقي والحاكم وصححه عن بريدة قال: خرجت ذات يوم أمشي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، فأخذ بيدي فانطلقنا جميعاً، فإذا برجل يصلي يكثر من الركوع والسجود. فقال: أترى هذا مرائياً؟ قلت: الله ورسوله أعلم. فأرسل يده وطبق بين يديه ثلاث مرات يرفع يديه ويضربهما ويقول: عليكم هدياً قاصداً (أي طريقاً معتدلاً. والمعنى: الزموا القصد في العمل وهو الأخذ بالأرفق بلا غلو ولا تقصير) فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه (أي من يقاومه ويكلف نفسه من الطاعات فوق طاقته يؤدي به ذلك إلى التقصير في العمل وترك الواجبات) [٢٨٨]، ص ٣٥٠ ج ٥ مسند احمد، وص ١٨ ج ٣ سنن البيهقي (القصد في العبادة).