وَالْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ. (مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ) يُظْهِرُونَ لَكَ. (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا) أَيْ مَا قُتِلَ عَشَائِرُنَا. فَقِيلَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ قَالُوا لَوْ كَانَ لَنَا عَقْلٌ مَا خَرَجْنَا إِلَى قِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَمَا قُتِلَ رُؤَسَاؤُنَا. فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ) أَيْ لَخَرَجَ. (الَّذِينَ كُتِبَ) أَيْ فُرِضَ. (عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) يعني في اللوح المحفوظ. (إِلى مَضاجِعِهِمْ) أَيْ مَصَارِعِهِمْ. وَقِيلَ:" كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ" أَيْ فُرِضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَتْلِ، لِأَنَّهُ قد يؤول إِلَيْهِ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ" لَبُرِّزَ" بِضَمِّ الْبَاءِ وَشَدِّ الرَّاءِ، بِمَعْنَى يُجْعَلُ يُخْرَجُ. وَقِيلَ: لَوْ تَخَلَّفْتُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ لَبَرَزْتُمْ إِلَى مَوْطِنٍ آخَرَ غَيْرِهِ تُصْرَعُونَ فِيهِ حَتَّى يَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي الصُّدُورِ وَيُظْهِرَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ (وَلِيَبْتَلِيَ) مقحمة كقوله: (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الانعام: ٧٥] «١» أَيْ لِيَكُونَ، وَحُذِفَ الْفِعْلُ الَّذِي مَعَ لَامِ كَيْ. وَالتَّقْدِيرُ (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْقِتَالَ وَالْحَرْبَ وَلَمْ يَنْصُرْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ لِيَخْتَبِرَ صَبْرَكُمْ وَلِيُمَحِّصَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ إِنْ تُبْتُمْ وَأَخْلَصْتُمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى" لِيَبْتَلِيَ
" لِيُعَامِلَكُمْ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبِرِ. وَقِيلَ: لِيَقَعَ مِنْكُمْ مُشَاهَدَةُ مَا عَلِمَهُ غَيْبًا. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ لِيَبْتَلِيَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّمْحِيصِ. (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أَيْ مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. وَقِيلَ: ذَاتُ الصُّدُورِ هِيَ الصُّدُورُ، لان ذات الشيء نفسه.
[[سورة آل عمران (٣): آية ١٥٥]]
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) هَذِهِ الْجُمْلَةُ هِيَ خَبَرُ" إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا" وَالْمُرَادُ مَنْ تَوَلَّى عَنِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ. السُّدِّيُّ: يَعْنِي مَنْ هَرَبَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي وَقْتِ الْهَزِيمَةِ دُونَ مَنْ صَعِدَ الْجَبَلَ. وَقِيلَ: هِيَ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ تَخَلَّفُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتِ هَزِيمَتِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا. وَمَعْنَى" اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ" اسْتَدْعَى زَلَلَهُمْ بِأَنْ ذَكَّرَهُمْ خَطَايَا سَلَفَتْ مِنْهُمْ، فكرهوا الثبوت لئلا يقتلوا.
(١). راجع ج ٧ ص ٤٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute