للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُحُدٍ بِالنُّعَاسِ حَتَّى نَامَ أَكْثَرُهُمْ، وَإِنَّمَا يَنْعَسُ مَنْ يَأْمَنُ وَالْخَائِفُ لَا يَنَامُ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ. (يَغْشَى) قُرِئَ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ. الْيَاءُ لِلنُّعَاسِ، والتاء للامنة. والطائفة تطلق على الواحد والجماعة. (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ: مُعَتِّبَ بْنَ قُشَيْرٍ وَأَصْحَابَهُ، وَكَانُوا خَرَجُوا طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ وَخَوْفَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَغْشَهُمُ النُّعَاسُ وَجَعَلُوا يَتَأَسَّفُونَ عَلَى الْحُضُورِ، وَيَقُولُونَ الْأَقَاوِيلَ. وَمَعْنَى" قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ" حَمَلَتْهُمْ عَلَى الْهَمِّ، وَالْهَمُّ مَا هَمَمْتُ بِهِ، يُقَالُ: أَهَمَّنِي الشَّيْءُ أَيْ كَانَ مِنْ هَمِّي. وَأَمْرٌ مُهِمٌّ: شَدِيدٌ. وَأَهَمَّنِي الْأَمْرُ: أَقْلَقَنِي: وَهَمَّنِي: أَذَابَنِي «١». وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ" وَطائِفَةٌ" وَاوُ الْحَالِ بِمَعْنَى إِذْ، أَيْ إِذْ طَائِفَةٌ يَظُنُّونَ أَنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِلٌ، وَأَنَّهُ لَا يُنْصَرُ. (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) أَيْ ظَنَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَحُذِفَ. (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ الْجَحْدُ، أَيْ مَا لنا شي مِنَ الْأَمْرِ، أَيْ مِنْ أَمْرِ الْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا كُرْهًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ:" لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا". قَالَ الزُّبَيْرُ: أُرْسِلَ عَلَيْنَا النَّوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَإِنِّي لَأَسْمَعَ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَالنُّعَاسُ يَغْشَانِي يَقُولُ: لَوْ كَانَ لنا من الامر شي ما قلنا ها هنا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَقُولُ لَيْسَ لَنَا مِنَ الظَّفَرِ الذي وعدنا به محمد شي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ" كُلَّهُ" بالرفع على الابتداء، وخبره" بِاللَّهِ"، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ" إِنَّ". وَهُوَ كَقَوْلِهِ:" وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ" [الزمر: ٦٠] «٢». وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ، كَمَا تَقُولُ: إِنَّ الْأَمْرَ أَجْمَعَ لِلَّهِ. فَهُوَ تَوْكِيدٌ، وَهُوَ بِمَعْنَى أَجْمَعَ فِي الْإِحَاطَةِ وَالْعُمُومِ، وَأَجْمَعُ لَا يَكُونُ إِلَّا تَوْكِيدًا. وَقِيلَ: نَعْتٌ لِلْأَمْرِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: بَدَلٌ، أَيِ النَّصْرُ بِيَدِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ. وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ" يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ" يَعْنِي التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ" يَعْنِي الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ مِنَ اللَّهِ. (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) أَيْ من الشرك


(١). أي حزنة الامر حتى أذا به.
(٢). راجع ج ١٥ ص ٢٧٣.