للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة السادسة: رؤية الله تعال في النوم تصح، (٢٣٤)، ولذلك أحوال:

١) أحدها أن يراه في النوم على النحو الذي دل عليه العقل والنقل من صفات الكمال، والسلامة من الصفات الدالة على الحدوث، من الجسمية وغيرها، فهذا نجوّزه في الدنيا كما نجوّزه في الآخرة، ونجزمُ بوقوعه في الدار الآخرة للمومنين، (٢٣٥) ولكن من ادَّعى هذه الحالة وهو من غير أهْلها كالعصاة والمقَصّرين كذَّبناه، أَو من الأولياء المتقين لا نُكذّبه، ونُسَلِّم له حالَهُ.


= قلت: والتحقيق في هذا الباب، والتدقيق في موضوعه، والتنبيه إلى مسائله مهم ومفيد جدا، وذلك الوقوف في وجه بعض المدعين والمشعْوذين وللرّد على ادعاَتهم ودحضها وإبطالها حين يدَّعون بين الحين والآخر أنهم رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مناما، وأنه قال لهم كذا وكذا، وأمرهم أن يخبروا به الناس، مما لا يتفق مع نصوص الشريعة الغراء، حين عرْضهِ عيها ومقارنته بظواهِرِهَا وقواطعها من ادلة النصوص والاحكام الشرعية الجليه الواضحة، وهم يريدون بذالك أن تكون لهم مكانة عند الهامة، عصَمنَا الله منهم ومن ادعآتهم التي لا تستند إلى أساس شرعي صحيح.
(٢٣٤) قلت: وهي بالنسبة للانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام حق، وأمْر مقبول مسَلَّمٌ به، إذا وقعت لنبي وأخبر بها، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيتُ ربي في أحْسَنِ صورة"، أخرجه الامام أحمد في مسنده، والإِمام الترمذي في سننه، والإمام السيوطي في كتابه: الجامع الصغير". بصيغة: "رأيتُ ربي عز وجَلَّ".
وهذه الرؤيا المنامية كما تكون وتحصُلُ الأنبياء تكون كذلك العباد الصالحين، والأولياء المتقين كما سبق ذكره عند القرافي، لأنها تدخل في باب الكرامة والبشرَى التي وعد الله بها الاتقياء من عبادِهِ المومنين، فقال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. سورة يونس، الآية ٦٢ - ٦٣.
(٢٣٥) وذلك مصداقا لقول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، سورة القيامة، الآية ٢٣، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنَّا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سَتعْرضُونَ على ربكم كما تَرون هذا القمر ليلة البَدْر، لا تُضَامُونَ (أي لا يلحقهم ضَيْمٌ برؤية بعضهم دون العض)، أوْ لا تَضَامُّون في رؤيته (اي لا تتزاحمون فيها)، فإن استطعتم ألَّا تُغْلَبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وصلاةٍ قبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}. رواه الائمة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي رحمهم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>