للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعشرين سنة ينزل الوحي إلَيْه فيها، ومن جملتها ستة أشهر، ما كان ياتيه فيهاللا النوم، فكان يَرَى الرؤيا فتخْرُجُ كفلَقِ الصبح، (٢٢٤) ورَدَّ ابن العربي هذا وقال:

يَرِدُ على هذا القول الاختلاف في العدد، فجاء سبعون، وجاء أقل من ستة وأَربعين، وجاء خمس وستون، وغيرُه هذا، وارتضَى القاضي أبو بكر ما قاله الطَّبري من أن التجربة هي بحسب اختلاف الرائين ومقاماتهم. وكَرِه مالكٌ أن يعْبُرَ الرؤيا من لا عِلْمَ له بها وقال: أيتلاَعب بالنبوة؟ ! لَمَّا قيل له: الرجلُ يَعلَم فيها الشر فيفسرها بالخير. وفي الموطأ: "الرؤيا الصالحة من الله، والحُلْمُ من الشيطان، فإذا رأى أحدُكم الشر فلينفِثْ عن يساره ثلاثَ مرات إذا استيقظ، ولْيتعوذْ بالله من شرها فإنها ليست تضره إن شاء الله". قال الباجي: يحتمل أن يريد بالصالحة المبَشِرةَ، ويحتمل الصادقةَ من الله، ويريد بالحُلْم ما يُحْزِن، ويحتمل أن يريد به الكاذب.

قال ابن وهب: يقول في الاستعاذة إذا نَفَثَ عن يساره: أعوذ بمن استعاذت به ملائكة الله ورسلُه من شر ما رأيتُ في منامي هذا أن يصيبني منه شيء أكرَهه، ثم يتحول على جانبه الآخَر.

قال الشيخ أبو الوليد في المقدِّمات: الفرق بين رؤيا الانبياء وغيرهم أن رؤيا غيرهم إذا أخطأ في تَاويلها تَخْرج كما أُوّلَتْ، (٢٢٥) بخلاف رؤيا الانبياء.


(٢٢٤) إشارة إلى حديث بدْء نزول الوحي، وهو ما رُوي عن عائشة أم المومنين رضي الله عنها قالت: أؤلُ ما بُدِى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا جآت مِثَل فلَق الصبح ... إلى آخر هذا الحديث الطويل، رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله.
ومما جاء في موضوع الرؤيا مارواه البخاري، عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأى أحدم رؤيا يُحِبُّها فإنها هي من الله، فلْيَحْمَدْ الله ولْيتحدَّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يَكرَه، فإنما هي من الشيطان، فليستعِذ من شرها ولا يذْكرْها لأحد، فإنها لا تضُرُّه". اهـ.
(٢٢٥) كذا بِالإِثباتِ في جميع النسخ الثلاث العتمَدَة في التحقيق والتصحيح. وعبارة القرافي أن رؤيا غيرهم إذا اخطأ في تاويلها لا تخرج كما أولتْ، فالعبارة عنده بالنفي، ثم قال: ورؤيا غير الصالح لا يقال فيها جزء من النبوة، وإنما يُلْهِمُ الله تعالى الرائي التعوذ إذا كانت من الشيطان، أو قَدَّر أنها لا تصيبه، وإن كانت من الله تعالى فإن شر القدر قد يكون وقوعه موقوفا على عدم الدعاء. =

<<  <  ج: ص:  >  >>