للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا سبع مسائل:

المسألة الأولى. قال - صلى الله عليه وسلم -: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، (٢٢٣)، فهل هذا التقسيمُ من حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - بقي ثلاثا


= قلت: يقال عَبَرَ الرؤيا بالتخفيف يعْبُرُها من باب نصر ينصر، إذا فسرها وأوَّلها، ويقال: عَبَّر الرؤيا بتشديد الباء فيها يُعَبرها، ومن التعبير بالتخفيف قول الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (٤٣) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (٤٤) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}. سورة يوسف الآيات ٤٣ - ٤٩.
(٢٢٣) أخرجه الإِمام مالك في الموطأ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك الذي رواه أنس، قال الزرقاني شارح الموطأ: والحديث متواتر جاء عن جمع من الصحابة.
ومن ذلك، الحديثُ المرسَلُ في الموطأ عن زيد بن أسلمَ عن عطاء بن يسَار، والذي وصَلَه البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشِّرات، فقالوا: وما المبشرات يا رسولَ الله؟ قال: الرؤيا الصالحة، يراها الرجل الصالح أو تُرَى له، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. قال الزرقاني: مجازا لا حقيقة، لان النبوة انقطعت بموته - صلى الله عليه وسلم -، وجزء "النبوة لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة. نعم، إن وقعت منه - صلى الله عليه وسلم - فهى جزء من أجزاء النبوة حقيقة. وقيل: إنْ وقعت من غيره فهي جزء من عِلْم النبوة، لأنها وان انقطعت فعلْمها باق.
وتُعُقّب بقول مالك كما حكاه ابن عبد البر حين سئل: يُعَبّر الرؤيا كلُّ أحد؟ ، فقال: أبا النبوة يُلعَبُ؟ ! ، ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة.
وأجيبَ بأنه لم يُرد أنها نبوة باقية، وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يُتكلمَ فها بلا عِلم، فليس المراد أنها نُبُوة من جهة الاطلاع، لأن المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة، وجزء الشي لا يستلزم ثبوتَ وصفه له، كمن قال: أشهد ان لا الاه إلا الله، رافعاً بها صوته لا يُسَمى مؤذِنا. قال أبو عمر: مفهومه أنها من غير الصاع لا يُقْطَعُ بأنها كذلك، ويَحتمل أنه خرَجَ على جواب سائل فلا مفهوم له. ويؤيده قوله في مرسل عطاءٍ السابق الذكر، "يراها الرجل الصالح أو تُرَى له، فعمَّ قولُه يرَى، الصالحَ وغيرَه.

<<  <  ج: ص:  >  >>