للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نسبة لرحمتهم بالشمس والقمر والغيث والنبات إلى رحمتهم بالعلم والإيمان والشرائع والحلال والحرام.

فكيف يقال: أي حكمة في ذلك، وإنما هو مجرد مشقة ونصب بغير فائدة؟!

فوالله؛ إن من زعم ذلك وظنّه في أحكم الحاكمين لأضل من الأنعام، وأسوأ حالًا من الحمير، ونعوذ بالله من الخذلان، والجهل بالرحمن وأسمائه وصفاته.

وهل قامت مصالح الوجود إلا بالأمر والنهي، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب؟! ولولا ذلك لكان الناس بمنزلة البهائم يَتَهارجون في الطرقات، ويَتَسافدون تَسَافُد الحيوانات، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، ولا يمتنعون من قبيح، ولا يهتدون إلى صواب.

وأنت ترى الأمكنة والأزمنة التي خَفِيَتْ فيها آثار النبوة كيف حال أهلها، وما دَخَل عليهم من الجهل والظلم، والكفر بالخالق، والشرك بالمخلوق، واستحسان القبائح، وفساد العقائد والأعمال؛ فإن الشرائع بتنزيل الحكيم العليم، أنزلها وشرعها الذي يعلم ما في ضمنها من مصالح العباد في المعاش والمعاد، وأسباب سعادتهم الدنيوية والأخروية، فجعلها غذاء ودواء وشفاء وعصمة وحصنًا وملجأً وجُنّة ووقاية.

وكانت بالقياس إلى مصالح الأبدان بمنزلة حكيم عالِمٍ ركّبَ للناس أمرًا يصلح لكل مرض ولكل ألم، وجعله مع ذلك غذاء للأصحّاء، فمن تغذّى به من الأصحاء غَذّاه، ومن تداوى به من المرضى شفاه، وشرائع الربّ تعالى فوق ذلك وأجلّ منه، وإنما هو تمثيل وتقريب.