للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبد فاعلًا، كما قال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئمَّةٌ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: ٧٣]، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: ٤١]، فهو الذي جعل أئمة الهدى يهدون بأمره، وجعل أئمة الضلال والبدع يدعون إلى النار، فامتناع إطلاق: أكلَمه فتكلّم؛ لا يمنع من إطلاق: أنطَقه فنطَق، وكذلك امتناع إطلاق: أهداه بأمره، وأدعاه إلى النار؛ لا يمنع من إطلاق: جعله يهدي بأمره، ويدعو إلى النار.

فإن قيل: ومع ذلك كله هل تقولون: إن الله سبحانه هو الذي جعل الزانيين يزنيان، وهو الذي جمع بينهما على الفعل، وساق أحدهما إلى صاحبه؟

قيل: أصل بلاء أكثر الناس من جهة الألفاظ المجملة التي تشتمل على حق وباطل، فيطلقها من يريد حقّها، فينكرها عليه من يريد باطلها (١)، فيرد عليه من يريد حقّها.

وهذا باب إذا تأمّله الذكي الفطن رأى منه عجائب، وخلّصه من ورطات تورّط فيها أكثر الطوائف.

فالجَعْل المضاف إلى الله سبحانه يراد به: الجَعْل الذي يحبّه ويرضاه، والجَعْل الذي قدّره وقضاه، قال الله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: ١٠٣]، فهذا نفي لجَعْله الشرعي الديني، أي: ما شَرَع ذلك ولا أَمَر به، ولا أحبّه ورضيه.


(١) بعدها في "د": "وينكرها من يريد باطلها" تكرار.