للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استُعْمِلا مقيّدَين أُطْلِقا على العبد، كما يقال لمن قدّر شيئًا في نفسه: إنه خلقه.

قال:

ولأنت تَفْري ما خلقتَ وبعـ ... ـض القوم يخلق ثم لا يَفْري (١)

أي: لك قدرة تمضي وتنفذ بها ما قدّرته في نفسك، وغيرك يقدّر أشياء وهو عاجز عن إنفاذها وإمضائها.

وبهذا الاعتبار صحّ إطلاق خالق على العبد في قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤]، أي: أحسن المصوّرين والمقدّرين.

والعرب تقول: قدّرت الأَدِيم وخلقته إذا قسته لتقطع منه مَزَادة أو قربة ونحوها.

قال مجاهد: "يصنعون ويصنع الله، والله خير الصانعين" (٢).

وقال الليث: "رجلٌ خالق، أي: صانع، وهن الخالقات: للنساء" (٣).

وقال مقاتل: "يقول الله تعالى: هو أحسن خلقًا من الذين يخلقون التماثيل وغيرها، التي لا يتحرك منها شيء" (٤).

وأما البارئ فلا يصح إطلاقه إلا عليه سبحانه؛ فإنه الذي برأ الخليقة وأوجدها بعد عدمها، والعبد لا تتعلق قدرته بذلك؛ إذ غاية مقدوره التصرف


(١) البيت لزهير، وقد سلفت نسبته في (١٨٢).
(٢) أسنده الطبري (١٧/ ٢٥).
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (٧/ ٢٥).
(٤) "تفسير مقاتل" (٣/ ١٥٣)، وانظر: "البسيط" (١٥/ ٥٤٢)، والمؤلف صادر عنه في هذه النقول.