ويخبرنا تاريخ الصين عن قبيلة أخرى من هذه البقعة، كانت تعرف باسم "يواشي" والظاهر أن هذه الكلمة ما زالت تحرف عند الأمم حتى أصبحت "يأجوج" في العبرية.
[منغوليا، مهد الشعوب القديمة]
إن الجزء المرتفع من الكرة الأرضية الواقع في الشمال الشرقي الذي يسمى الآن بمنغوليا وتركستان الصينية، كان مهدًا لشعوب قديمة لا تحصى. إنه كان معينًا بشريًا، تتدفق مياهه وتتجمع، حتى إذا بلغت النهاية طغت وانصبت إلى الغرب والجنوب، وجدت الصين في الشرق منه، وآسيا الغربية والجنوبية في غربه وجنوبه، وأوروبا في الشمال الغربي منه، فما زالت سيول القبائل والشعوب تتدفق، فيستوطن بعض القبائل آسيا الوسطى والبعض الآخر يتقدم فيصل إلى أوروبا، أو ينزل بآسيا الغربية والجنوبية. وكانت هذه القبائل بعد خروجها من مسقط رأسها، وحط رحالها في البلاد الجديدة، تفقد خصائصها الأولى وتصطبغ بصبغة أوطانها الجديدة، فتصير على مرور الأيام شعوبًا بنفسها. ولما كان موطنها القديم لا تتغير أحواله، لم تزل تنشأ فيه قبائل جديدة، وتتدفق في دورها إلى الخارج كأخواتها السابقة، دون أن تتغير هذه البقعة بل تظل على همجيتها القديمة، ولكن الذين كانوا ينسحبون منها ويسكنون البلاد الأخرى، كانوا يتحضرون مع مر الزمن، فتختلف حالتهم الجديدة من الحالة القديمة، فبينما المدنية تهذبهم وتزيل بربريتهم، فيشتغلون بالزراعة والصناعات، ويعيشون عيشة سهلة هنية، يبقى إخوانهم في مسقط رأسهم على حالتهم الأولى من الهمجية والخشونة والقسوة، ولذلك يظلون شبحا مخيفًا للمتحضرين) اهـ.
ثم يتحدث أبو الكلام عما عرف تاريخيًا من موجات متعاقبة لخروج يأجوج ومأجوج، فموجة كانت نحو آسيا الوسطى، وموجة نحو آسيا الغربية، وموجة نحو آسيا الغربية التي أوقفها (قورش) وموجة نحو الصين اقتضت من إمبراطور الصين (شين هوانغ تي) أن يبني جدار الصين العظيم، وموجة نحو أوروبا بقيادة أتيلا أنهت الإمبراطورية الرومانية، وموجة نحو الشرق العربي بقيادة جنكيز خان كان من آثارها تدمير أكثر البلدان الإسلامية ومنها بغداد (أقول: ولعلها المشار إليها بالحديث: "ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج كذا" وحلق الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصبعيه).