للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَبْراء لا يدرون ما قطعوا منها أكثر أو ما بقي منها، فحسرت ظهورهم، ونفد زادهم، وسقطوا بين ظَهْري المفازة، فأيقنوا بالهلكة، فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حُلّة يقطر رأسه، فقالوا: إن هذا لحديثُ عهدٍ بريفٍ، فانتهى إليهم، فقال: يا هؤلاء، ما شأنكم؟ فقالوا: ما ترى كيف حسرت ظهورنا، ونفدت أزوادنا بين [ظهري] (١) هذه المفازة، لا ندري ما قطعنا منها أكثر أم ما بقي؟ فقال: ما تجعلون لي إنْ أَوردتُكم ماءً رُواءً (٢) ورياضًا خضرًا؟ قالوا: حكمك، قال: تُعطوني عهودَكم ومواثيقكم ألا تعصوني، ففعلوا، فمال بهم فأوردهم ماءً رواءً (٣) ورِياضًا خُضْرًا، فمكث يسيرًا، ثم قال: هلُمُّوا إلى رياض أعشبَ من رياضكم هذه، وماءٍ أروى من مائكم هذا، فقال جُلُّ القوم: ما قدرنا على هذا حتى كدنا أنْ لا نقدر عليه، وقالت طائفةٌ منهم: ألستُم قد جعلتم لهذا الرجل عهودكم ومواثيقَكم أن لا تعصوه؟ فقد صدقكم في أول حديثه، فآخرُ حديثه مثل أوله، فراح وراحوا معه، فأوردهم رياضًا خضرًا وماءً رواءً، وأتى الآخرين العدوُّ من ليلتهم فأصبحوا ما بين قتيل وأسير" (٤).

وقال: "مثل المؤمن كمثل النَّخْلة، أكلت طيِّبًا ووضعت طيبًا، وإنَّ مثل المؤمن كمثل القطعةِ الجيدةِ من الذهب، أُدخلت النَّار فنُفِخَ عليها فخرجت جيدة" (٥).


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) "بفتح الراء: الماء الكثير" (و)، ووقع في (ق): "وقال".
(٣) في (ق): "رويًا".
(٤) أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (رقم ١٧٦ و ٥٠٧) ومن طريقه: الرامهرمزي في "الأمثال" (ص: ٨٤، رقم ٢٣) حدثنا غير واحد عن الحسن مرسلًا.
وعزاه العراقي في "تخريج الإحياء" (٣/ ٢١٨) لابن أبي الدنيا، وهو في "ذم الدنيا" له (رقم ٨٨)، وروى نحوه عبد بن حميد في "المنتخب" (٦٦٧)، وأحمد في "المسند" (١/ ٢٦٧)، والبزار (٢٤٠٧)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٢٩٤٠) من طرق عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس.
قال العراقي في "تخريج الإحياء" (٣/ ٢١٨): "وإسناده حسن".
وكذلك قال الهيثمي في "المجمع" (٨/ ٢٦٠)!!.
قلت: فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
ووقع في (ك): "وأتى الأخرى العدو"، وفي (ق): "وأتى العدو الأخرى".
(٥) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (١١/ ٤٠٤ - ٤٠٦) -ومن طريقه أحمد (٢/ ١٩٩) وأبو الشيخ في "الأمثال" (رقم ٣٤٣) - والرامهرمزي في "الأمثال" (رقم ٢٩) -واللفظ له- من =

<<  <  ج: ص:  >  >>