أنه استند إلى المقعد لهوى ... وإذا الباشا يصافحه! ولمّا خرج الباشا ومن كان معه قال الأستاذ:"أرأيتم يا أولادي؟ هكذا تكون الشجاعة" ... واستدار لئلاّ نرى البلل في بنطاله!
ولا تظنوا أني أكتب هذا بعدما توفّاه الله لأني لا أقدّره ولا أحترمه. لا والله، ولو علمت أنه كان يسوؤه ما رويته. ولقد كتبته في حياته وضحك لمّا قرأه، ثم كتب القصة بقلمه وروى عن نفسه أشياء أبلغَ في بابها منها رحمة الله عليه.
ومن ذكريات هذه المدرسة فيضان بردى الذي كتبت عنه الكثير (١) والذي يصل «المرجة» بعدما انشقّ عنه أبناؤه الستة (يزيد، وتورا، وباناس، والقنوات، والقناة، والديراني) ولم يبقَ من مائه ما يبلّل ظهر قط مشى فيه. بردى الذي لا تذهب منه قطرة هدراً على حين تذهب مياه الأنهار الكبار إلى البحر، فلا هي حفظت ماءها لها ولا البحرُ امتلأ منها. بردى الذي قال كاتب شوقي لمّا زار دمشق فرآه بعدما سمع من شوقي أشعاره فيه، قال متعجباً: أهو ده بردى؟!
بردى هذا إذا وصل إلى المرجة وأردنا أن نسلبه حريته في جريه، وأن نسجنه تحت القناطر فيدوس عليه الماشون في المرجة، ثار. وإذا ثار أغرق المرجة وما فيها، وممّا كان فيها مدرستنا (السلطانية الثانية).
(١) أي عن بردى لا عن الفيضان. انظر مقالتَي «دمشق» و «نهر دمشق» في كتاب «دمشق، صور من جمالها وعِبَر من نضالها»، ومقالة «قصة بردى» في كتاب «قصص من الحياة» (مجاهد).