للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدَعونه ينام في الشارع؟ وهذه نصيحة لم نبالِ بها لما قدّمها إلينا الوزير الأندونيسي المفوَّض في بغداد، ولكنا وجدناها لما جئنا حقاً وأكثر من الحق ... إن كان في الدنيا شيء أكثر من الحق.

ولقد أعقبَت الحربَ العالمية الثانية أزمةُ مساكن في كل مكان، من نيويورك إلى أقصى الشرق، ولكن ليس في الدنيا بلد تمكّنت منه هذه الأزمة كجاكرتا، فإنه لم يكن فيها يومئذ -على سعتها وكثرة دورها وكبر فنادقها- مكان لنزيل جديد؛ ذلك أنه كان فيها إلى سنة ١٩٤١ ستمئة وثمانون ألفاً فقط، فلما صارت هي العاصمة وانتقلت الحكومة إليها بلغ سكانها سنة ١٩٤٩ مليوناً ونصف المليون، وسنة ١٩٥٢ مليونين وربعاً، ثم وصل سكانها لمّا زرناها إلى نحو ثلاثة ملايين. على أن القوم هناك في يقظة وعمل، فقد أُنشئت مدينة جديدة قرب جاكرتا هي كيبا يوران، مساكنها جديدة بعضها تنشئه الحكومة بمالها وموظفيها وبعضٌ ينشئه الناس بأموالهم، بُدئ بها في أواخر سنة ١٩٤٨، فلم تأتِ سنة ١٩٥١ حتى تم بناء ثلاثة آلاف وخمسمئة بيت ألف منها للحكومة، وكان البنيان لما زرناها مستمراً ولكن الأزمة لا تزال ممسكة بالخناق.

والأرض رخيصة والفنادق واسعة، ولكن ليس فيها مكان لنزيل، بل إنك لا تلقى في كل مئة غرفة غرفةً واحدة فيها مسافر، وإنما هي أسر تقيم فيها تتخذها منازل لها، ونصفها تستأجره الحكومة لموظفيها. ولقد وجدنا نحن جناحاً فخماً لا ينقصه شيء، ولكن المصيبة في الطعام وفي الكلام. أما الطعام، فإني لما دخلت بغداد قلت: أين مني طعام الشام؟ ويا شوقي إليه!

<<  <  ج: ص:  >  >>