الضبط أن شاي العصر يأتيك به النادل (الجارسون) الساعة الرابعة تماماً، لا يتأخر دقيقة ولا يتقدم دقيقة. وهم يُلبِسون الإبريق (برّاد الشاي) غطاء كالسدارة العراقية مطرَّزاً منقوشاً، نعرفه عند بعض الأنيقات من ربات البيوت في دمشق، ولكنه يضع الشاي أمام غرفتك ويمضي، لا يؤذنك به ولا يقرع عليك الباب، ولعلك تكون نائماً قد امتدّت بك القيلولة فلم تحسّ به، ولعلك قد شُغلت عنه فلم تنتبه إليه، فتشربه بارداً. ومن عجائبهم أنك إن لم تصرّح أنك تريد الشاي محلّى بالسكّر جاؤوك به بلا سكّر، وإن لم تؤكّد لهم القول بأنك تريده حاراً حملوه إليك بعدما برد.
* * *
قلت لكم إن جاوة لا تبلغ في مساحتها مساحة الجمهورية السورية، وكان فيها -على ذلك- سنة ١٩٥٣ لمّا زرناها ثلاثة وخمسون مليوناً، وقالوا إنهم يزيدون كل سنة ثمانمئة ألف، والجزر الأخرى تكاد تكون خالية، فليس في سومطرة (ومساحتها أكثر من ثلاثة أضعاف جاوة) إلاّ اثنا عشر مليوناً، وكلامنتان (التي كانت تُسمّى بورنيو، ومساحتها نحو ضعف سومطرة) ليس فيها إلاّ ثلاثة ملايين. وهذا كان كله لما زرناها من ربع قرن، لذلك كانت الحكومة تعمل دائماً على ترغيب الجاويين بالهجرة إلى إحدى هذه الجزر: تعطيهم الأرض فيها مجّاناً، وتبني لهم قرى ومدناً على أسماء قراهم ومدنهم وتنقلهم إليها على حسابها، والناس يُعرِضون عن هذا كله ويتعلّقون بمساكنهم على شدّة أزمة المساكن في تلك البلاد. لهذا كنت أنصح من يفكّر أن يزورها ألاّ يتوجّه إليها حتى يضمن لنفسه غرفة ينام فيها وإلا نام في الشارع، وهل