للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما بدأ كلّه بدُكّان، بمركز تجاري يُفتَح، ثم يحشد فيه الرجال، ثم تكون له الفروع، ثم تتحوّل هذه الفروع إلى لجان إحصاء واستطلاع (أو هي بالاسم الصريح جمعيات تجسّس ومواطن إفساد)، ثم تصير قلاع حرب علينا، ثم تكون قصور حكم فينا.

وهذا الذي كان.

فتح الإنكليز هذا المركز، وسكتوا. سكتوا سبع سنين ينسجون القيود لنا من وراء الستار، لا يجرؤون أن يُظهِروها لأن الحكم بيد من حديد، هي يد السلطان المسلم السلطان أورانك زيب. حتى إذا مضت السنون السبع وذهب الملك القوي، أقبلوا مرة أخرى يسألون ويستأذنون صاغرين بفتح مراكز جديدة في بلاد اختاروها، فأُذِن لهم. وما زالت هذه المراكز تزداد وتمتدّ، كما يمتدّ المرض الذي ينتشر في الجسم ولا يدلّ عليه ألم ولا ينبّه إليه هُزال، فلم تمضِ مئة وخمسون سنة حتى طوّقَت هذه المراكز البلاد، وصارت الشركة حكومة مستترة تقوم من وراء الحكومة الظاهرة.

عفواً، لقد نسيت أن أقول لكم إن هذه الدولة الإسلامية الضخمة قد تصدّعَت بعد موت الملك الصالح العظيم أورانك زيب (كما تصدّع مُلك صلاح الدين الأيوبي بعد موته) وأدركها مرض المسلمين في أكثر عصور تاريخهم، وهو الانقسام؛ فصارت الدولة الواحدة القوية دولاً صغاراً.

ذهب البطل العملاق وحلّ محلّه نفر من الغلمان المَهازيل. لذلك لم تأتِ سنة ١٨٣٢ حتى أيقنَت الشركة أن هذه الحكومات

<<  <  ج: ص:  >  >>