للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله أن يراني ساكتاً على إنكارها وأن أكون شيطاناً أخرس. وأنا لا أرضى لنفسي أن أكون شيطاناً ناطقاً بليغاً، أفأرضى أن أكون شيطاناً أخرس؟

وأحسست أن شيئاً قد نبض في قلبي فهزّه مثل هزّة الكهرباء وسرى في أعصابي وعروقي. وحين أحسّ بذلك أعلم أني إن تكلّمت كان كلامي لله وأن الله لا يخذلني، وقع لي ذلك عشرات من المرات، ما تخلّى الله عني في واحدة منها. أمّا حين أتكلّم للدنيا وأفكّر في نفع أناله من كلامي أو ضرر أتحاشاه، إن تكلّمت في هذه الحال لم يكن لكلامي أثر في نفوس السامعين.

لمّا بلغت الدعاء قلت كلاماً صدِّقوا أنني لا أحفظه لأنني لم أُعِدّه ولم أرصفه، وإنما تكلّم به إيماني على لساني. قال السامعون لي بعد ذلك أنني قلت ما معناه أن دمشق ظئر الإسلام ومثابة الأخلاق لا ترضى بما يخالف الإسلام ولا بما يذهب بمكارم الأخلاق، كائناً مَن كان قائله أو فاعله وكانت منزلته بين الناس، وأن هذه الحفلة منكَرة وأنها حرام وأنها تنافي الإسلام، وأن كل من حضرها ورضي بها آثم، وأن الذي لا يغار على محارمه ديّوث!

وخرجَت الكلمات من فمي كالرصاصات من المدفع الرشاش، ما احتمل هذا الكلام كله دقيقتين اثنتين. وشُدِهَ السامعون أوّلاً، ثم خشعوا ثم اقتنعوا واستيقظَت ضمائرهم المؤمنة، وقرأت في الصلاة آيات قالوا إنها جاءت مناسبة للمقام، لا أعرف الآن والله الذي قرأت يومئذ في الصلاة.

وأقبل الناس عليّ بعدها داعين مهنّئين خائفين عليّ، فقلت

<<  <  ج: ص:  >  >>