التاريخ ورجع، كمن يسعى بين الصفا والمروة. ولكن الساعي يؤدّي عبادة ويرجو عليها أجراً، وهذا يذرع الطريق بلا زاد ولا رفيق ولا أجر ولا تعويض!
كان عليّ أن أكمل الكلام عن عملي في القضاء، فقد تركتكم في محكمة دمشق تنتظرون بقيّة حديثها، ومشيت مع الذين كتبوا عن الأدب في بلاد العرب قبل نصف قرن، رحلت معهم من الحجاز إلى تطوان وفاس، فلما عدت وجدت الاحتفال بذكرى النضال في الجزائر فتكلمت عن الجزائر. واليوم هو يوم التضامن مع شعب فلسطين والصحف وأصحابها وكُتّابها يكتبون عن فلسطين، فهل أستطيع أن أمرّ بهذا اليوم ولا أتكلّم عنها؟ لا متضامناً مع شعبها كما يفعل البعيدون عنها، فأنا الضامن وأنا المضمون، أنا ابن فلسطين لأني ابن الشام، إنها بلدي كما أن دمشق بلدي.
* * *
القدس أقرب إلى دمشق من نصف مدن سوريا. وكما عرّفني بالجزائر وتونس وطرابلس (ليبيا) والمغرب مشايخ وأساتذة لنا منها، أحببناهم فأحببنا البلاد التي أخرجَتهم وكانت إليها نسبتهم، فلقد حبّب إليّ فلسطين أولَ الأمر أساتذة ومشايخ وإخوان لنا من فلسطين.
حسني كنعان (رحمه الله) الذي مرّ بعض حديثه، والذي جاءنا معلّماً سنة ١٩١٨ ثم صار صديقاً وواحداً من رفاق العمر، وهو من نوادر الدهر طِيبَ قلبٍ وصفاءَ حنجرة وجمال صوت.