السنون، فلم يبقَ من منازلها ودورها إلا أنقاض وأطلال!
كانت السفرة إلى الدير سنة ١٩٤٠، وأذكر أن موعد السفر كان بعد صلاة الفجر. تواعدنا على أن نصليها في جامع يَلبُغا في ساحة المرجة التي كانت أكبر ساحات دمشق، هذا المسجد الكبير الذي سرق العثمانيون نصفه الشمالي فجعلوه مدرسة دَرَستُ فيها سنة ١٩١٨، وجاؤوا الآن يريدون أن يسرقوا ما بقي منه سرقة مبطنة فيبنوا بناءً عالياً، يجعلون بعضه للمسجد والباقي لما لا يأتلف مع رسالة المسجد وربما أسخط من تُبنى له المساجد. وهذا مشروع قديم عارضته مرات لمّا كنت في الشام وكان لي لسان وكان صوتي مسموعاً وكان كلامي مؤثراً، ولست أدري الآن مَن يحول بينهم وبين هذا العدوان.
صلينا الفجر في المسجد وذهبنا إلى السيارة (١) لتمشي بنا، ولكنها مواعيدنا! وأين منها مواعيد عرقوب التي ضُرب المثل بها؟ هل عندنا موعد نفي به؟ هل تُنصَب المائدة في الوليمة في الساعة المحددة لها؟ هل يبدأ الحفل في موعده؟ هل نعمل شيئاً في وقته؟ هذه سيرتنا في أمورنا الخاصة بنا والعامة بيننا، في دورنا وفي أسواقنا وفي سلمنا وحربنا، لولا هذا التسويف والتأجيل ولولا إخلاف المواعيد ما ضاعت منا فلسطين!
لم تتحرك بنا السيارة إلا بعد ثلاث ساعات. دخلناها فإذا
(١) هي الحافلة. وغالباً ما استعمل جدي في كتاباته مفردة «السيارة» دلالة على «الحافلة»، فحيناً يفهم القارئ من السياق أنها حافلة ليست سيارة، وأحياناً يختلط عليه الأمر فيظنها سيارة صغيرة (مجاهد).