للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموظفين؛ المدينة العراقية التي وُضعت في الجمهورية السورية كما أن الموصل بلدة شامية سكنت جمهورية العراق (وما في الإسلام عراق غريب عن الشام، كلهن أخوات شقيقات في الأسرة الواحدة التي هي أسرة أهل القرآن)، يشهد بذلك أبنيتها ومسالكها، وعادات أهلها وثيابهم ولهجاتهم. اذهب إلى الموصل ثم إلى حلب، هل تحس أنك قد انتقلت من بلد إلى بلد؟ وزر الدير وأخواتها المنثورات على شط الفرات، راوة وعانة إلى البوكَمال، هل بينها من فرق؟

قلت لكم إني نُقلت عقوبةً إلى الدير إثر ما كان بيني وبين نظيم الموصلي وعفلق، والمسافة على الأرض بين دمشق ودير الزور لا تقل عن المسافة بين دمشق وبغداد، ولكن السفر إلى بغداد (كما عرفتم) كان بسيارات كبيرة أُعدت لهذه الرحلة الطويلة، وكان فيها الماء البارد وفيها بعض وسائل الراحة، أما السفر من دمشق إلى الدير فكان بسيارات كالسيارات التي تنقل الناس إلى ضواحي دمشق وإلى الأقضية القريبة منها، لا استعداد فيها ولا راحة ولا سعة في المكان.

ولقد كتبت مقالات نشرتها عن هذه الرحلة فلا أُعيد ما فيها، ولو أردت إعادتها لما وصلت إليها لأنني أُملي هذه الحلقة وما عندي شيء من كتب ولا أوراق. كتبت تلك المقالات بقلم الأديب وابتغيت فيها مسايرة الفن، أما الذي أكتبه اليوم عنها فإنه وصفٌ لما وقع لا أريد منه إلا أن أذكر ما كان. وهل أستطيع ذلك؟ وأنّى لي به وأنا لا أعتمد إلا على ذاكرة لم تُبقِ منها الأيام إلا ما يبقى من الدار العامرة التي عصف بها الدهر ومشت عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>