ويتقدّمون. لقد كان العجب العاجب؛ هؤلاء البدو الجاهلون ملكوا مُلك كسرى، فلا كسرى بعد اليوم، وشادوا في مكانه مُلكاً أنفع منه وأبقى.
ويدور الفِلم، وتظهر صورة ثانية لبغداد.
نحن في سنة ١٤٥ للهجرة، وقد اندثرَت القرية وذهب بها ريب الزمان وعادت الأرض مراتع وبساتين، وكان صباح يوم صائف من أيام الخريف، فوقف في هذه الساحة رَكْب من الناس ونزل رجال يذرعون الأرض، يقيسون طولها والعرض. فسألت من هؤلاء؟ وماذا يصنعون؟
قالوا: ألا تعرف من هؤلاء؟ يا عجباً! هذا هو الرجل الذي عاش ثُلثَي حياته عالِماً مغموراً لا يدري به أحد، وعاش ثلثها الثالث وهو الحاكم المطلَق في نصف المعمور من الأرض من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق. هذا هو الرجل الفولاذي الصلب الذي بنى دولة عاشت راياتها وشاراتها واستمرّ ذكرها على المنابر أكثر من ثمانمئة سنة، هذا أبو جعفر المنصور جاء يقيم ها هنا مدينة!
ولم يغتصب الرجل الحديدي ذراعاً واحداً من الأرض، وما كان الغصب يوماً من صفات الخلفاء المسلمين حقاً، بل اشترى الأرض من أصحابها بأكثر من أثمانها وأقام مدينته عليها.
ومر على هذا المشهد سنتان، ودار الفِلْم دورة جديدة وإذا المدينة عامرة.