نحن في مطلع الفِلْم قبل نحو ١٤٥٠ سنة، وبغداد قرية صغيرة، عندها سوق للغنم والجِمال ومن حولها السواد فيه النخيل، ومن وراء السواد هذه الصحراء التي تتلظّى فيها الرمال وتتوقّد الشمس، ويبدو من كل جهة فيها وجه الموت يتربص لكل قادم عليها من غير أهلها. أمّا أهلوها فقد أنِسوا بالموت حتى رأوا فيه الحياة، يعيشون عيش الآساد في آجامها، يُدْلون بمثل ظفر الأسد ونابه ويطوون صدورهم على مثل جرأته ووثابه، لذلك كانوا يحتربون ويقتتلون إذا لم يجدوا من يحاربون ويقتلون، لا شريعة لهم إلاّ شريعة القوّة ولا حُكم إلاّ حُكم السيف.
وفي جوار هذه القرية الخاملة كانت تقوم «المدائن»، قرارة كسرى شاهنشاه (١) فيها عرشه وإيوانه، العجمُ يسجدون بين يديه ويكفّرون له (أي ينحنون)، والعرب يُكبِرون مكانه ويخافون سلطانه ويسمّون عاملاً من عُمّاله (هو مدير ناحية الحيرة، النعمان ابن المنذر)، يُسمّونه ملك العرب.
ويدور الفِلم ويبدأ فيه فصل جديد.
انظروا، لقد ماج هذا البحر من القبائل التي كانت تسكن الصحراء وتحرّك واضطرب، ثم جرى فيه تيّار قوي يجرف في طريقه كل شيء. لقد اتحد القوم المتفرقون، ونبذوا راياتهم وهي شتّى ليحملوا راية واحدة جديدة هي راية القرآن، يقودهم تحتها المثنى بن حارثة نحو بغداد. وها هم أولاء يتقدّمون، ويتقدّمون،
(١) شاهنشاه أي ملك الملوك، وهي كلمة نهى الشرع عنها، وإنما ذكرتها لأنبّه إلى منعها.