قوله:"ثم أخذ جريدة رطبة"، (الجريدة): غصنُ النخل، يعني: أخذ رسول الله - عليه السلام - جريدةً رطْبةً فشقَّها نصفين، فغرز كل نصف على قبر وقال:"لعله أن يخفِّف" ويُزالَ عنهما العذابُ ما دام هذان النِّصفان رَطْبين.
وسبب تخفيف العذاب عنهما "ما لم ييبسا": أنه - عليه السلام - سألَ الله أنَّ يخفَّفَ عنهما العذاب هذا القَدْر؛ لوصول بركته إليهما؛ لأنه رحمةٌ، لا يمرُّ بموضع إلا أصابه بركتُه، وليس تخفيفُ العذاب عنهما بخاصية الجَرِيد الرَّطْب؛ لأن الجَمَاداتِ ليس بعضُها أولى من بعض، فالرَّطْبُ مثلُ اليابس.
وإنما الفضيلة بتفضيل الله بعضَ الجمادات كالكعبة والمساجد، ولم يثبُتْ نصٌّ في تفضيل الرَّطْب على اليابس، هكذا ذكر الخَطَّابي وغيرُه من فحول العلماء.
* * *
٢٣١ - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقُوا اللَّاعِنِينَ"، قالوا: وما اللَّاعِنَانِ يا رسول الله؟ قال:"الَّذي يتخلَّى في طريقِ النَّاسِ أو في ظِلِّهِمْ".
قوله:"اتقوا"، أي: احذروا واجتنبوا.
"اللَّاعِنَين"، أي: الأمرَين اللذين هما سببا اللعنة، يعني: احذروا أن تفعلوا هذين الشيئين.
سُمِّيَ الشيءُ الَّذي هو سببُ اللَّعنةِ لاعنًا؛ لأنه إذا حصلت اللعنة بسببه، فكأنه هو اللاعن.
قوله:"الَّذي يتخلّى"، ها هنا: المضاف محذوف، يعني: أحدُهما تَغَوُّطُ الَّذي يَتَغوَّطُ في طريق الناس، والثاني: تَغَوُّطُ الَّذي يَتغوَّطُ في ظِلِّهم.