كثيرة، كانشعاب العِلْم إلى سائر العلوم النقلية والعقلية، وكذا الأخلاق الباقية.
وأما التكميل فحَمْلُ الناسِ لُطْفًا وعُنْفًا، وحثُّهم على تحصيل الكمالات المذكورة، وكلُّ نبيٍّ كان في الكمال والتكميل أزيدَ من غيره كان أفضلَ منه، ولمَّا كان نبيُّنا - صلوات الله عليه - في جميع أنواع المَعْنَيَيْنِ - أعني الكمالَ والتكميلَ - بالغًا إلى حدٍّ لم يبلغْه غيرُه من الأنبياء كان أفضلَ الأنبياء، وسيدَ الرسل صلوات الله عليهم.
فإنَّ نوحًا عليه السلام لم يؤمن به من قومِه إلا نفرٌ قليلٌ، تَسَعُهم سفينته، قيل: كانوا ثمانين، ولمَّا هبطَ من السفينة هلكُوا جميعًا، ولم يبقَ إلا هو وأولادُه وتناسَلُوا، ولهذا سُمِّيَ آدمَ الثاني.
وأما موسى عليه السلام فلم تتجاوزْ دعوتُه بني إسرائيلَ إلى غيرهم.
وأما عيسى عليه السلام فالمُحِقُّونَ من قومه كانوا نفرًا قليلًا، والباقون في ضلالةِ التثليث والولادة، تعالى الله عن ذلك.
وأما محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - فلمَّا جاء كان العالمُ كلُّه مشحونًا بكفر عَبَدَة الأصنام والكواكبِ، وتشبيهِ اليهود وتثليثِ النصارى، وهو - صلوات الله عليه - دعا جميع الخلائق إلى الواحد الحقِّ بالحكمة والموعظة الحسنة والجِدال بالتي هي أحسنُ، فآمن به خَلْقٌ كثير.
والباقون الذين يؤمنوا به إما عنادًا أو حسدًا كاليهود والنصارى، وإما جهلًا لم ينفع دعوته صلوات الله وسلامه عليه، فنزلت فريضةُ الجهادِ واستعمالُ السيف، ومع ذلك كان يؤلِّفُ قلوبَهم باللُّطْف وبذْلِ الأموال، حتى ملأ العالمَ شرقًا وغربًا من القَبُول والعمل الحق.
فمن أنصفَ ونظر إلى المَعْنَيَينِ فيه، وفي غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم، أنَّ المعنيين فيهم بالنسبة إليهما فيه = عَلِمَ أنهم في الفضيلة بالنسبة إليه