للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون عطف فعل على فعل لا عطف جملة على جملة؛ وحينئذ يكون الأصل مساواة الفعلين في النهي عنهما وتأكيدهما بالنون الشديدة، فإن المحل الذي توارد عليه شيء واحد، وهو الماء فعدوله عن ثم لا يغتسلن إلى ثم يغتسل دليل على أنه لم يرد العطف وإنما جاء ثم يغتسل على التنبيه، على مآل الحال؛ ومعناه أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه، فيمتنع عليه استعماله لما وقع فيه من البول، قال: وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يضرب أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها" (١) برفع يضاجعها ولم يروه أحد بالجزم، ولا يتخيله فيه لأن المفهوم منه أنه إنما نهاه عن ضربها لأنه يحتاج إلى مضاجعتها في ثاني حال فتمتنع عليه لما أساء من معاشرتها فيتعذر عليه المقصود؛ لأجل الضرب.

وتقدير اللفظ: ثم هو يضاجعها وثم هو يغتسل (٢)، قال شيخنا أبو (٣) الفتح القشيري رحمه الله: وهذا يقتضي أنه كالتعليل للنهي عن البول في الماء الراكد لا عن الغسل منه من مدلول اللفظ مباشرة بل من مدلولاته التزامًا من حيث إنه لو لم يكن البول فيه مانعًا من الغسل أو الوضوء منه لما صح تعليل النهي عن البول فيه بأنه سيقع منه الغسل لكن التعليل صحيح على حسب ما اقتضاه الكلام عنده؛ فوقع النهي عن الغسل منه بعد البول بطريق الالتزام؛ لأنه لازم لصحة التعليل وفي تعيين هذا المعنى الذي ذكره لأن يحمل عليه اللفظ نظر.

وقال الشيخ محيي (٤) الدين النووي: إن الرواية يغتسل مرفوع أي لا تبل ثم أنت تغتسل منه (٤)، في كلامه على هذا الحديث الذي لفظه لا يبل في الماء الدائم


(١) هذا الحديث بهذا اللفظ ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (١/ ٣٤٧) ط. السلفية مصر ولم يعزه لأحد ورواه بنحوه البخاري في صحيحه كتاب التفسير (٣/ ٣٢٣ - ٣٢٤) برقم ٤٩٤٢ باب سورة الشمس وضحاها ومسلم في صحيحه كتاب الجنة وصفة نعيمها (٤/ ٢١٩١) برقم ٢٨٥٥ باب النار يدخلها الجبارون.
(٢) المفهم (١/ ٥٤١ - ٥٤٢).
(٣) شرح الإلمام (١/ ٣٦٢).
(٤) شرح صحيح مسلم (٣/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>