للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي كان شيخنا الإمام أبو الفتح (١) محمد بن علي بن وهب القاري رحمه الله تعالى يقول: إنه إن أريد بذلك أنه لا بد للمجتهد من نظره فيما تأخر من النصوص أو ما تيسر له مراجعته مما يشعر فيه باحتمال التخصيص فذلك صحيح، وإن أريد به التوقف حتى يقع على ما لعله لم يبلغه من النصوص ولا يشعر به مع قرب المراجعة فلا يصح.

قال: والدليل عليه أن علماء الأمصار ما برحوا يفتون بما بلغهم من غير توقف على البحث في الأمصار والبلاد عما لعله أن يكون تخصيصًا. فمن ذلك حديثنا الذي نحن فيه؛ وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لا استقرت عندهم القاعدة الكلية وثبت الحكم العام في وجوب تنزيه المسجد عن النجاسة، وكانت هذه القصة (٢) المعينة مخصوصة من ذلك الحكم كما تبين من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونهيه وزجره (٣)، وجرى (٤) الصحابة على الحكم بالأمر العام من غير مراجعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع احتمال التخصيص فدل ذلك على ما ذكرناه.

وفيه دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما (٥)، فإن البول في المسجد مفسدة، وقطعه على البائل مفسدة أعظم منها فاحتملنا أيسر المفسدتين بدفع أعظمهما وتنزيه المسجد عن البول مصلحة وترك البائل على ما هو عليه إلى أن ينقضي بوله مصلحة أعظم منها فحصلنا أعظم المصلحتين بترك أيسرهما.


(١) يقصد بذلك ابن دقيق العيد، وكلامه هذا والذي قبله في الإمام (ل / ٦٢).
(٢) عند ابن دقيق العيد الواقعة بدل القصة.
(٣) عند ابن دقيق العيد ونهيه عن زجره، وهو الصواب.
(٤) عند ابن دقيق العيد وقد جرى.
(٥) عند ابن دقيق العيد أخفهما بدل أيسرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>