للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس عن منع الأعرابي وقوله - عليه السلام -: "لا تزرموه بوله"، علمنا حصول الرجحان من الطرفين بارتكاب أخف المفسدتين وتحصيل أعظم المصلحتين.

ونهيه - عليه السلام - إياهم عن الأعرابي حين أسرعوا إليه يحتمل ثلاثة معان:

الأول: مراعاة حق البائل لما قد يلحقه من الضرر من قطع البول عليه بعد تهيؤه لخروجه ودفعه.

الثاني: مراعاة حق المسجد في صونه من النجاسة خوفًا من انتشار البول عند قطعه عليه وانتقاله من موضع إلى موضع في الطريق، وذلك متوقع.

الثالث: مراعاة التيسير على الجاهل والتألف للقلوب.

ويشهد للأول قوله - عليه السلام -: "لا تزرموه بوله"، وللثاني: ما هو معلوم من تنزيه المساجد عن النجاسات وللثالث قوله - عليه السلام -: "فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين".

وقد يكون كل منها جزء علة، فيكون الحكم معللًا بمجموع ذلك.

وفيه الرفق بالجاهل، واللطف في تعليمه.

وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع (١)، وقد كان المانع من تنظيف المسجد وتطهيره من البول اشتغال الأعرابي بما هو عليه من البول، فلما زال المانع بفراغ الأعرابي، قال - عليه السلام -: "أهريقوا عليه سجلًا من ماء أو دلوًا من ماء"، إعمالًا للمقتضى عند زوال المانع.

وفيه اعتبار الأداء باللفظ، وإن كان الجمهور على عدم اشتراطه، وأن المعنى


(١) عند ابن دقيق العيد عند زوال المانع من إزالتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>