والمزاح المضحك فيكون رقيقاً كما نراه فى قصة الأحدب، وخاصة فى مزين بغداد. ولكنه فى القسم الثانى وفى سائر القصص الإلقائية التى ألفها القصاص ليلقوها فى السوامر مهلهل النسج، عاص اللفظ، مرذول المبالغة، سئ التلفيق، شديد الوطأة على الحياء والمروءة لصدوره عن قصاصين محترفين جهلاء يتملقون فيه شهوات العامة بالأفحاش ويستفزون فضول الجمهور بالمبالغة.
فلسفته ومراميه:
إن من يطلب من ألف ليلة وليلة فلسفة خاصة وفكرة عامة ووجهة مشتركة كان كمن يطلب من كافة الناس عقيدة واحدة وطبيعة ثابتة وأغراضاً متفقة، فهو- كما قلنا من قبل -كتاب شعبى يصور الحياة الدنيا كما هى لا كما ينبغى أن تكون، فإذا رأينا مذاهبه تتناقض، ومراميه تتعارض، وآراءه تختلف، فذلك لأن المجتمع الذى يصوره كذلك.
ولم يكن الكتاب نتاج قريحة معلومة، ولا نتيجة خطة مرسومة حتى نلتمس فى جوانبه الدوافع والنوازع والغاية، إن هو إلا صدى يتردد خافتا لعقائد الشرق القديم وعقلياته وعاداته. ففى الفلسفة نراه يتأثر بالأفلاطونية الحديثة والأخلاق الإسلامية، فيدعو إلى القناعة باليسير والعزوف عن الدنيا، والاعتدال فى اللذة، والمبالغة فى الحذر، والتفويض المطلق للقدر، فروحه من هذه الجهة تتنافر وصوره البراقة ووسائله الطماحة وحوادثه المغامرة. ثم نراه فى أقاصيص أخرى -ولا سيما الحديثة- يزين الأنانية، ويرتضى القسوة ويتشوف إلى المكاسب الدنيئة، ويشره إلى اللذة الخسيسة، ولا يكاد يعتقد بالعواطف الكريمة. وقد يصور المتاع الحسى واللهو الجموح بما لا يتمثل فى الذهن إلا على سبيل الخيال، كالذى يحكيه عن فتى من أبناء الملوك أرسى إلى جزيرة كل من فيها من تجار وصناع نساء كأنهن اللؤلؤ المكنون، فقضى بينهن فى هذا النعيم أياما اقل ما أصاب فيها من اللذة أنه كان يلقى الشبكة فى الماء على سبيل اللهو، فتخرج إليه من الأصداف خريدة من بنات الجان، كأنها حورية من حور