والنبلاء وهب رواد الاستعمار وعشاق الآثار ينقبون عن فولكور (١) الشرق، أخذ أدباؤنا -بحكم التقليد والعدوى- يعطفون على أدب السواد، فدونوا اللغة العامية، وجمعوا الأغانى الشعبية، ونظروا بعض النظر فى فن القصص وسمعوا فى رجفة من الدهش إلى قول الأوربيين: إن فى أدبنا الموروث كنزلم دفينا من هذا النوع له فى أدبهم أثر قوى وشأن نابه. ولكنهم لم يخلدوا بادىَ ذى بدئ إلى هذا القول بثقة، واستكثروا على هذا الكتاب الخرافى السوقى أن يذكر فى الكتب ويوضع فى المكاتب، وينبه الناس فضله، ويهنأ العرب بإنتاجه، حتى رأينا بعيوننا أنه نقل منذ أوائل القرن الثامن عشر إلى كل لغة، وحل الموقع الأول من كل أدب، وظفر بإعجاب النوابغ من كل أمة حتى قال فولتير إنه لم يزاول فن القصص إلا بعد أن قرأ ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة، وتمنى القصصى الفرنسى "استندال" أن يمحو الله من ذاكرته ألف ليلة وليلة حتى يعيد قراءته فيستعيد لذته.
ثم قرأنا أن أقلام المستشرقين أخذت تتجادل منذ أوائل القرن التاسع عشر فى أصله وتكشف عن مناحى جماله وفضله، وحينئذ أخذت خاصتنا تقرؤه وتسمعه، ومطابعنا الراقية تصححه وتطبعه، وأدباؤنا المترفعون يشيرون إليه فى تاريخ الأدب. ولكنهم -إلى اليوم- لم يدرسوه دراسة علمية تكشف عن لبابه، وهو -على الرغم من جميع ما فيه- قد سجل على توالى القرون أطوار اجتماعنا، وصور بالألوان الزاهية مخللف أخلاقنا وطباعنا، وأتم نقص التاريخ الذى تجاهل الشعب والأدب الذى احتقر العامة.
مؤلف الكتاب وزمن تأليفه وسبب تسميته:
ذهبت جهود الباحثين باطلا فى تحقيق هوية المؤلف، لأن هزار أفسانه نقل إلى العربية غفلا لم يسمّ واضعه، ثم غشيته الطبقتان البغدادية والمصرية على التدريج، فكان كل قصاص يكتتب لنفسه ما سمع وجمع فى عصره من ثمرات القرائح وقطرات الأقلام دون أن
(١) كلمة انكليزية يراد بها في الأدب الأورربى مجموع التقاليد والأساطير والأشعار الشعبية لأمة من الأمم.