للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو يقول: "لا إله إلا الله، إبراهيم خليل الله"، وكذلك سائر الأبطال فى سائر القصص إلا أنهم كانوا بعد الإسلام لا قبله.

وبين القرنين الثامن والعاشر كان حكم المماليك بفساده وحكم الأتراك باستبداده، قد أتيا على ما بقى من أركان الاجتماع، وحللا أواصر الأخلاق والطباع، فظهر حينئذ ذلك القصص الوضيع الذى يمثل هذه الحال بحقارتها وسفالتها، ويصور تلك البيئة بخرافاتها وجهالتها، كالقصص الذى يدور على "على الزيبق"، و"أحمد الدنف"و"حسن شومان" "دليلة المحتالة". وأصبح أسلوب القصاص فى هذا الدور دائراً بين الجهالة والقحة، فهو يستعمل فى قصصه لغة مبتذلة وتراكيب فاحشة وجملاً محفوظة ووقائع واحدة يرددها فى كل قصة، ويكررها فى كل مناسبة. وكانت شهوة السهر والسمر قد بلغت مداها فى ذلك الحين لتغلب البطالة على أهل القاهرة، واعتماد الناس فى جمع الثروة على الحيلة والشعوذة والسحر والقدر. فتكدسوا فى السوامر حول القصص، وقد تجمع لهؤلاء من خلال القرون ذخيرة وفيرة من الأساطير والأسمار، فهبوا يدونونها كما دونت للك السير من قبل، فكان مما ذون فى تلك الحقبة الغريبة كتاب ألف ليلة وليلة.

وألف ليلة وليلة كتاب شعبى تمثلت فيه طوائف الشعب وطبقاته، وتراءت من خلاله ميوله ونزعاته، وتكلمت فيه أساليبه ولهجاته، فهو -كالشعب وكل شئ للشعب - قد لقى من جفوة الخاصة وترفع العلية أذى طويلا: أغفله الأدب فلم يتحدث عنه، واحتقره الأدباء فلم يبحثوا فيه، ورآه محمد بن إسحق المعروف بابن النديم فقال إنه غث بارد، لأنه نظر إليه نظره إلى الأدب الأرستقراطى الذى يصور ترف الخيال وجمال الصناعة، فلما حقق العصر الحديث تغلب الديمقراطية وسيادة الشعوب، واستتبع ذلك عناية أصحاب المذهب الإبداعى (الرومانتكيين) فى الغرب بحياة السوقة والدهماء عنايتهم بحياة الملوك