كان القصّاص يتناول هذه الأخلاط فيؤلف منها قصة كثيرة الفصول والفضول، تدور حوادثها على بطل واحد، ولكنها تعرض من قبيل الاستطراد إلى حوادث شتى لا يصلها بحياة البطل إلا صلة واهية.
ولما هبت الأعاصير الهوج بالبربرية الجامحة، فأطفأت منائر بغداد وزعزعت عرش الخلافة وعبثت العجمة الجاهلة بتراث العرب من علم وادب وخلق ودين، وعدت ذئاب الغرب باسم الصليب على الشام ومصر تنبح الهلال الآفل وتنهش المجد الطريد، رآينا القصة المصرية تصور هذه الحياة الحزينة تصويراً عجيبا، ورأينا القصاص قد اتسع خياله بقدر ما ضاق علمه، فهو يخلق بلاداً لم توجد ويتصور حوادث لم تقع، ويعتمد فى العمل على الجن والسحر والخوارق.
فبين القرنين السادس والثامن من الهجرة، ظهرت فى مصر سلسلة من القصص الطويلة الجذابة غفلا عن أسماء مؤلفيها، لأن القصاص المحترفين إنما كتبوها لأنفسهم فيما أرجح، ثم توارثوها خلفا عن سلف حتى بلغت عهد المطبعة فنشرت على شكلها دون اسم ولا وسم ولا تعريف.
وأشهر قصص هذا الدور سيف بن ذى يزن، والأميرة ذات الهمة، وفيروز شاه. فاما أنها كتبت فى هذى العهود فذلك واضح لأدنى نظر من لغتها وأسلوبها وما تدور عليبما من عادات واعتقادات وصور, وأما أنها كتبت بمصر فذلك ثابت من أماكن وقائعها وأسماء أشخاصها، فأبطالها عاشوا جميعا بمصر، حتى الذين لم يروها أقدموهم اليها.
ولقد كان للحروب الصليبية أثر ظاهر فى نسج هذه القصص فى هذا الدور، فإن العواطف الدينية والحماسة القومية التى ألهبتها فى قلوب المسلمين هذه الغارات قد حملت القصّاص على أن يتملق هذه العواطف ويغذيها بما يلفق من الأشعار والأخبار فى فضائل الجهاد والاستشهاد والصدق والصبر. فسيف بن ذى يزن كان حنيفاً مسلما يقتحم المعاقل والأرصاد على الوثنية والشرك فى معالم الأرض ومجاهلها